وأنت تبحث عن اسم محمود الجندي ستظهر لك بين الصور صورة من مسرحية البرنسيسة في عرض تلفزيوني مكتوب في الركن

منوعات,الصفقة,اليوم,فنان,الفن,حادث,مسرحية

عاجل
رئيس التحرير
إيمان عريف
رئيس التحرير
إيمان عريف

الراحل محمود الجندي ما بين الماضي بتاريخة وما بين المستقبل بذكرياتة

وأنت تبحث عن اسم محمود الجندي، ستظهر لك، بين الصور، صورة من مسرحية "البرنسيسة" في عرض تلفزيوني، مكتوب في الركن الخاص باسم الفضائية التي تذيعها: "روتانا زمان". بديهي أن تُعرض المسرحية في الفضائية الخاصة بالأعمال القديمة. مع ذلك ستنتبه إلى أن سنوات عمرك أصبح فيها ما يقال عنه بارتياح، وبصيغة ليست مجازية: "زمان". يجلس الجندي في مشهد شهير، بملابس داخلية مُمزقة، عرفها رجال الطبقة تحت المتوسطة في تلك الأيام. ملابس كانت تصلح لأن يجلس الرجل بها بين أفراد أسرته طوال اليوم. وكان يغني، بصوت جميل مُميز ومعروف، من موّال "حسن ونعيمة" وهو يضحك ونضحك رغم حُزن وشجن الكلمات. موّال حفظته غالبيتنا: "لو كنت أعرف إن الوعد متّداري.. ما كنت أطلع ولا أخرج أصل من داري.. يا ريت ما حبيت ولا كان العذاب جالي.. وداري على بلوتك يا اللي ابتليت داري".



 

 

في فترة، ونحن على مشارف الشباب، اختفى محمود الجندي عن الأنظار. قالوا إنه اعتزل الفن بعدما احترق بيته وراحت أسرته ضحية الحريق. وسمعنا أقاويل عن كيف أنه اعتبر ما حدث عقابًا إلهيًا على عدم الإيمان والاستجابة لأسئلة الوجود والخلق، فضلًا عن الاستغراق في ملذات الحياة. ظهر بعد ذلك في لقاءات تلفزيونية يلفّ عمامة حول رأسه، ويتحدث بتديّن وعينين دامعتين باستمرار، قبل أن يعود إلى التمثيل وقد لاءمت مرحلته العمرية تلك الأدوار الرصينة والمحافظة، غير أنه كان شخصًا غير الذي عرفناه صغارًا. صار ممثلًا تراجيديًا، يبرع في أدوار الجدّ والشرّ، أهّلته لها موهبة وخبرة سنوات. 

 

 

لكن اللافت أن الممثل الكبير، الذي عاد، لم يكن تطورًا طبيعيًا لمن عرفناه شابًا، كان كأنه فنان آخر بدأ التمثيل كبيراً. ممثل لن يشير اسمه في "تتر" عمل ما، إلى شيء من الكوميديا أو حتى الجدية المشحونة بملامح شقيّة وخفة روح ميّزته في الصغر. 

 

 

هو بالنسبة إلى طفولتنا ومراهقتنا: نور الدين في "إنها حقاً عائلة محترمة"، عمرو في "رحلة السيد أبو العلا البشري"، هاني الحياني في "البرنسيسة"، مصطفى الشوان في "دموع في عيون وقحة"، سلامة الطفشان في "شمس الزناتي"، علي الزهار في "اللعب مع الكبار"، شوقي في "الشهد والدموع"، عبد الرحمن في "حكايات الغريب"، ضيا في "التوت والنبوت"، ومراد في "علشان خاطر عيونك".

 

 

وأنت، لو استوقفك موت أحدهم وشغلك ببعض الأسئلة، ربما تتساءل، في حالة محمود الجندي، إن كانت تركيبة ما تحوّل إليه بعد عودته للتمثيل هي من صُنع مخرجين حصروه في أدوار تلائم حالته ومرحلته العمرية، أم أن الأمر يأتي من منطقة أكثر تعقيدًا، تتعلق بأن الواحد منّا قد يصبح شخصًا مختلفًا كُليًّا من عُمق داخله الإنساني بسبب حادث كبير في حياته، ولو كان فنانًا. أميل إلى التفسير الثاني، وإن كان فيه ما يدل على شيء، فستكون دلالته الوحيدة أن الموهبة لا تفنى وإن تغيّرت سمات صاحبها تغييرًا كاملًا.

 

 

مُمثل من رفقاء العمر، يستدعي رحيله مشاهد من قلب أيامك وماضيك الخاص، وأحد الذين لهم قطعة، ولو كانت صغيرة، من ذاكرتك الشخصية. وجه مألوف في عدد من الأعمال التي لطالما اجتمعت الأُسرة للفُرجة عليها، في سهرات ما قبل أطباق الدش والإنترنت وعصر الاتصالات، حينما كانت شاشة التلفزيون تنتهي عروضها عند منتصف الليل على الأكثر، حيث يضطر الجميع للنوم، وعلى من يريد السهر أن يبحث عن شيء آخر غير الفُرجة، بينما أجهزة الفيديو، التي تعمل بالشرائط في أي من أوقات اليوم، هي من نصيب المحظوظين.