"قلعة الكرك" بالأردن.. حصن تأمين بين بلاد الشام ومصر في العصر الأيوبي
قرابة 120 كيلومتر جنوب العاصمة الأردنية عمان، وتحديدا بمحافظة الكرك، تتواجد "قلعة الكرك" التي تقف شاهدا على عصور قديمة متتالية لأمم وحضارات جابت المنطقة العربية. ففي مساحة تبلغ 25300 متر مربع، وبطول يبلغ 220 مترا، وعرض نحو 125 مترا، وارتفاع 900 متر عن سطح البحر، تقع "قلعة الكرك" والتي تعد واحدة من أكبر وأهم قلاع الحملات الصليبية في الأردن وبلاد الشام، وبناها أمير بيت المقدس "حارس" لحماية الجهة الجنوبية من بلاد الشام، وتأمين الطريق بين دمشق ومصر أثناء الحروب الصليبية. بجانب واد تجري فيه قناة مياه، تقع "قلعة الكرك"، من الهضبة المثلثة التي تقع فوقها مدينة الكرك التاريخية القديمة، فيما يعود تاريخ إنشاء أساسات القلعة إلى عصر المؤابيين نحو عام 860 قبل الميلاد، واستخدمها الأنباط بدليل وجود تماثيل نبطية منقوشة في الأسس الأولى بالقلعة، وظلت في العصر الروماني ومن ثم البيزنطي درعا واقية للأردن، حيث أشارت إليها خريطة مادبا الفسيفسائية بين مجموعة قلاع هذه المنطقة. سجلات المؤرخين تقول إن بناء "قلعة الكرك" كان قائما قبل بدء الحملات الصليبية، لكن الصليبيين أقاموا توسعات على القلعة في عصرهم، فيما انتزع صلاح الدين الأيوبي القلعة عقب معركة حطين، والتي استطاع بعدها استرداد القدس والمسجد الأقصى من أيدي الصليبيين، بعدما ضرب حصارا شديدا عليها وانتقل حكم القلعة إلى المماليك ثم إلى العثمانيين، في حين يعود تاريخ مدينة الكرك ذاتها إلى العصر الحديدي نحو سنة 1200 قبل الميلاد، وتعاقب عليها المؤابيون والآشوريون والأنباط واليونان والرومان والبيزنطيون. ومدينة "الكرك" تعني قديما "كير" أي المدينة، لكنها إذا التقت مع كلمة "مؤاب" فهي تعني "القلعة"، إذ كانت من أهم مدن مملكة مؤاب سواء قبل أو بعد حكم الملك ميشع المؤابي بحسب كتب التاريخ والمؤرخين. وبقي اسم القلعة "كير مؤاب"، حتى الاحتلال الصليبي لبلاد الشام (1096 - 1291)، حيث بدل الصليبيون اسم "كير مؤاب" إلى "قلعة المؤابيين"، وفي الفتوحات الإسلامية طوقتها جيوش المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح فاستسلمت له، فيما كان للمدينة تاريخ حافل مع صلاح الدين الأيوبي الذي حارب الملك الصليبي أرناط، وكانت أهمية الكرك في ذلك الحين أنها كانت تحمي القدس، فموقعها الاستراتيجي كان يحول دون اللقاء بين عرب الشام وعرب مصر، ولكونها محطة مراقبة على طريق الحجاج. وبعد انتهاء الدولة الأيوبية، تحول حكم "قلعة الكرك" إلى سلاطين المماليك، الذين طوروها بتشييد عدد من الأبراج والتحصينات الإضافية فيها، ورماها الظاهر بيبرس بعد أن وقعت في يده سنة 1263م. وفي العصر العثماني وقعت عمليات إعدام واسعة للمواطنين الثائرين على السلطة في قلعة الكرك، وذلك عام 1910، فيما ما زالت القلعة غامضة من الداخل ففيها سراديب لم تكتشف إلى الآن ولم يكشف عن أسرارها وأسرار المدينة التاريخية. ومنذ عام 1980، تحولت "قلعة الكرك" إلى متحف أثري يعرض المتحف آثار المسلمين في الفترة المملوكية والعثمانية، ويوجد به قسم يغطي فترات العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي والعصر الحديدي، وتضم مجموعة من قطع أثرية نبطية ورومانية وبيزنطية وصليبية، وأعيد فتح المتحف أمام الجمهور في شهر يناير 2004، حيث لا يزال متاحاً للعامة منذ ذلك الحين. وخلال جولة مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بالأردن، داخل "قلعة الكرك"، كانت الممرات التي تتواجد تحت أرض القلعة تقود إلى غرف حصينة، تعبر عن فكر استراتيجي في بناء هذه القلعة الحصينة وتشير إلى أن الأفكار الأمنية والاستراتيجية التي يتم العمل بها حاليا كانت العصور القديمة تستخدمها ولكنها دون أن تعلم أنها خطط واستراتيجيات تساهم في حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة العربية كافة. كما لوحظ، داخل هذه الممرات وغرف السجون القديمة أن عوامل التهوية حاضرة وكأنها تعبر عن مبان حديثة رغم أن الأحجار تتحدث عن نفسها وتاريخ البناء الذي قد يكون منقوشا على تلك الأحجار والأشكال الهندسية المعمارية التي تشهد بعظمة رجال لم يكن العلم وقتها حليفهم رغم أنهم كانوا يضعون أسسه الأولى في أعمالهم المعمارية. ورغم مرور مئات السنين على هذا الحصن المنيع، إلا أن أيدي الإرهاب الداعشي لم تسلم "قلعة الكرك" منه، حيث وقع هجوما إرهابيا في مدينة الكرك جنوبي الأردن، وكانت القلعة التاريخية هي مسرح هذا الهجوم وتحديدا في يوم 18 ديسمبر عام 2016، حيث قام أفراد يتبعون لعصابة داعش الإرهابية بإطلاق النار واحتجاز مجموعة من الرهائن من بينهم سياح أجانب، فيما أسفر الهجوم الإرهابي عن استشهاد عشرة أشخاص، بينهم سبعة من رجال الأمن.