توليد رأس المال.. اقتصاد السيسي انقذ مصر من الانهيار
ايمان عريف
موارد حكومية ضخمة لإنشاء العقارات لتوليد الإيرادات ودفع النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين من القطاع الخاص «ثراء» أداة لجلب استثمار القطاع الخاص إلى الكيانات والمشاريع العامة توجيه سوق العقار من المضاربة المتاحة للجميع إلى فرص استثمارية كبيرة
نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في قيادة الاقتصاد المصري منذ توليه سدة الحكم، عبر استعادة مركزية دور الدولة في صنع القرار الاقتصادي وتطويع القطاع الخاص لخدمة إستراتيجية للدولة للاستثمار الرأسمالي من خلال اهتمامه بتوليد رأس المال. وعبر سنوات حكمه تمكن هذا النموذج من عبور مصر للأزمات الاقتصادية، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا، بعدما قامت مصر بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. تولى الرئيس السيسي الحكم بعد إزاحة حكم الإخوان في أعقاب ثورة 30 يونيو، والاقتصاد المصري على شفا الانهيار، فكافة المؤشرات الاقتصادية والمالية شهدت انخفاضًا شديدة منذ ثورة 25 يناير2011.
يذكر أن مصر شهدت نموذج رأسمالية الدولة الذي أسسه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1961، وأطلق عليه لقب «الاشتراكية العربية،» وفى عهد الرئيس الراحل أنور السادات بدأت مراحل التحول إلى الرأسمالية والانفتاح الاقتصادي، وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، استمر هذا النموذج والذي عرف بالشراكات الطفيلية مع القطاع الخاص من العام 1991 فصاعدًا.
أما النموذج الذي تكون تحت إشراف السيسي، فبدأ منذ توليه الحكم، حيث لجأ إلى جهاز الخدمة الوطنية بعد إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في معظم المجالات وانهيار الاستثمار الأجنبي خلال هذه الفترة، فلم يكن أمام السيسي سوي العمل على توليد رأس المال.
يكشف التحول في النشاط الاقتصادي والتجاري في عهد السيسي عن ملامح هذا التطور. فتم توظيف نحو 5 ملايين شخص. مما ساعد في توليد النمو الاقتصادي وتحسين كفاءة المالية العامة، وعزز أيضًا قبضة الدولة المصرية.
ويخدم النشاط الاقتصادي في النموذج الجديد خمسة مجالات هي: التطوير العقاري، وإنشاء مجمّعات الصناعة والنقل، واستخراج الموارد الطبيعية، والعلاقات مع القطاع الخاص، وزيادة رأسمال القطاع العام بواسطة الاستثمارات الخاصة.
العقارات
استثمر السيسي موارد حكومية ضخمة في إنشاء العقارات لتوليد الإيرادات ودفع النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين من القطاع الخاص. يشمل هذا الجهد بناء ثلاث مدن «ذكية» وتدلّ التسمية على أنها تستخدم التكنولوجيا الرقمية لتحسين كفاءة الطاقة. تستهدف هذه المدن العملاء من الطبقة المتوسطة العليا بمساكن فاخرة على شاطئ البحر، تقليدًا لنموذج دبي. وتستهدف مشاريع حضرية أخرى أسر الطبقة المتوسطة الأقل ثراءً، ويستهدف غيرها العمّال في المناطق الصناعية الجديدة.
وتشير التقديرات إلى إن تكلفة المشاريع القومية تصل إلى 4 تريليونات جنيه مصري (أكثر من 200 مليار دولار) من التمويل الحكومي خلال الفترة من 2014 إلى 2019. واستحوذت المرحلة الأولى من بناء العاصمة الإدارية الجديدة على ما يقرب من 10٪ من إجمالي الإنفاق (300 مليار جنيه مصري، أو 19.05 مليار دولار) بحلول يناير 2020، ومن المتوقع أن تبلغ الكلفة خلال خمس سنوات 58 مليار دولار بحلول 2022.
إن الحجم الهائل للمشاريع القومية في عهد السيسي يميزه عن غيره، كما هو الحال بالنسبة إلى محاولة توجيه سوق العقار من كونها مضاربة متاحة للجميع إلى فرص استثمارية كبيرة تكون فيها الدولة المساهم الرئيس، فالطلب على الشقق في المدن الساحلية الجديدة لا يزال مرتفعا.
البنية التحتية
يهدف الرئيس السيسي أيضًا إلى إنشاء مناطق ومجمّعات رئيسة للصناعة والنقل والخدمات، تتركز في منطقة قناة السويس بمحاذاة ساحل البحر الأحمر. حيث تم إنفاق أكثر من 600 مليار جنيه «ما يقرب من 40 مليار دولار» في منطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء.
الصناعات الاستخراجية
وبني جهاز الخدمة الوطنية مشاريع الصوب الزراعية وتربية الأسماك في مناطق مكتظة بالسكان منذ العام 2014، كما بنى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية مصانع للرخام والجرانيت بسعة إنتاجية تفوق حجم إجمالي الإنتاج الوطني، وقد استحوذ الجهاز على حصة الأغلبية في الشركة العامة التي تسيطر على موقع الرمال السوداء في مصر، الذي ينتج المعادن الثقيلة مثل التيتانيوم والزركونيوم بقيمة تصدير متوقعة تبلغ 176 مليون دولار سنويًا. كما استحوذ على حصة في التنقيب عن الذهب ووسع دوره في إنتاج وتسويق الفوسفات والأسمدة.
إخضاع القطاع الخاص
أعادت إدارة السيسي اصطفاف علاقاتها مع القطاع الخاص. فالدولة هي المستثمر الوحيد في البنية التحتية العامة ومصدر حصة كبيرة من إجمالي أعمال القطاع الخاص، وخاصة بالنسبة إلى الشركات الكبيرة والمتوسطة.
وتسعى إدارة السيسي وراء استثمارات القطاع الخاص، ولكن بحسب شروطها هي فقط. وترى أن توليد الدخل وتوفير السلع بأسعار معقولة لفئات مجتمعية مختارة هو ذات أهمية سياسية كبرى، وتوظِّف سيطرة الدولة على الأراضي والتجارة الخارجية والموارد الطبيعية لتحقيق أقصى قدر من هذه الغايات.
رأسمالية الدولة
سعى السيسي إلى جذب رؤوس أموال القطاع الخاص إلى المشاريع التي تقودها الدولة. وقد أكد رئيس الوزراء في العام 2015 بأن العاصمة الإدارية الجديدة لن تكلف الدولة المصرية «مليمًا واحدًا،» حيث سيتم تمويلها من خلال التمويل التجاري بالشراكة مع شركات خاصة ومستثمرين أجانب. وبرز صندوق مصر السيادي «ثراء» كأداة للرئيس لجلب استثمار القطاع الخاص إلى الكيانات والمشاريع العامة، مع إعطاء الدولة اليد العليا.
تأسس الصندوق في العام 2018 ومن المفترض أن يكون مسرّعًا لوضع أصول حكومية مختارة تحت سيطرة القطاع الخاص جزئيًا
وكشفت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية عن عزمها نقل ملكية أصول بقيمة 50 مليار جنيه إلى صندوق ثراء، وفي فبراير 2020، وافق صندوق ثراء أيضًا على إدراج عشر شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية في محفظة أصول للترويج والاستثمار، ما يشير إلى ظهور الصندوق كأداة لجذب الاستثمار الخاص بطرق تحافظ على سيطرة الدولة على الأصول.
إصلاح الاقتصاد
في منتصف العام 2019، تلقت مصر آخر قسط بقيمة ملياري دولار من القرض البالغ 12 مليار دولار الذي قدمه صندوق النقد الدولي في العام 2016، مُستكملةً بذلك البرنامج المتفق عليه بنجاح.
نفذت مصر إصلاحات عدة لطالما صعب على الحكومات المصرية السابقة إنجازها، من بينها تحرير سعر الصرف، وخفض الدعم على الوقود والغذاء، ورفع أسعار الفائدة لتعويض الأثر التضخمي لتخفيض قيمة العملة. كما كانت هناك بداية مشجعة لإصلاح بيئة الأعمال من خلال تحديث بعض القوانين والقواعد التنظيمية.
عملت اتفاقية صندوق النقد الدولي أيضًا على تنشيط حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي نفذت مشاريع بنية تحتية كبرى وتوجهت إلى مجتمع الاستثمار الدولي بثقة. وكان اكتشاف حقل غاز عملاق داخل حدود مصر الدولية في البحر الأبيض المتوسط في بداية البرنامج الممول من الصندوق بمثابة دفعة جيدة إلى الأمام. كذلك، كان رد الفعل الرسمي من دول الخليج ومن أوروبا إيجابيًا للغاية وجلب المزيد من الأموال.
والأهم من ذلك أن مستثمري الأسواق الناشئة، الغارقين في بحر من أسعار الفائدة المنخفضة أو السلبية، توافدوا على سندات الخزانة المصرية التي اقترنت بأسعار فوائد تفوق العشرة في المائة يصحبها الحد الأدنى من مخاطر سعر الصرف، وعلى عروض سندات الدين بالعملة الأجنبية «اليوروبوندز» التي أصدرتها مصر بمعدلات متوسطة نسبيًا. ولهذا، أصبحت البلاد خلال هذه الفترة إحدى أكثر الوجهات المقصودة لتدفقات رأس المال قصيرة الأجل في الأسواق الدولية.
ساعدت عودة الاستقرار في مصر بعد اضطرابات الربيع العربي المقلقة وما تلاها من أحداث، في إنعاش قطاع السياحة إلى حدٍ ما وكذلك في تحفيز نشاط القطاع الخاص المرتبط بمشاريع البنية التحتية الحكومية. كذلك، تعافى النمو الاقتصادي إلى معدّلٍ يزيد عن 5 في المائة وتحسنت آفاق العمالة. وحين شارف البرنامج على نهايته، كان العجز المالي قد تقلّص، وانخفض التضخم بشكل كبير عن المعدّل الذي بلغه بعد تخفيض قيمة العملة.
من منظور صندوق النقد الدولي والأسواق المالية الدولية، كان برنامج مصر ناجحًا بشكل معقول لأنه ساعد في تخفيض حدّة الاختلالات والتشوهات على صعيد الاقتصاد الكلي وفي استقرار الأوضاع المالية.
الاقتصاد وكورونا
صمد الاقتصاد المصري في وجه جائحة كورونا وتداعياتها الشديدة، فهو صاحب ثاني أكبر معدل نمو اقتصادي على مستوى العالم في 2020، بنسبة نمو بلغت 3.6 بالمئة، متجاوزا بذلك توقعات صندوق النقد الدولي.
وتعكس صلابة الاقتصاد المصري مختلف المؤشرات الاقتصادية، بفضل «خطة الإصلاح الاقتصادي» التي اتبعتها الحكومة، والتي وازنت فيها بين الإجراءات الاقتصادية الصعبة والبرامج الحمائية، وهي الخطة التي انتشلت الاقتصاد المصري من مسارات خانقة ومؤشرات متدنية في وقت سابق، بعد سلسلة التطورات السياسية التي شهدها البلد منذ عام 2011.
ورغم تداعيات فيروس «كورونا» على مستوى العالم أجمع، تصدرت مصر دول الأسواق الناشئة في احتواء معدل التضخم خلال العام الجاري، طبقا للبيانات الصادرة عن مجلس الوزراء المصري.
ووفق صندوق النقد الدولي، فإن مصر حققت أكبر تراجع سنوي في معدل التضخم بالأسواق الناشئة في 2020، مقارنة بعام 2019، بتراجع بلغ 8.2 نقطة مئوية. ومن بين آثار خطة الإصلاح الاقتصادي، تراجع معدلات التضخم إلى 5.7 بالمئة خلال العام الماضي 2019-2020 مقارنة بـ13.9 بالمئة في عام 2018-2019. كما عكست مؤشرات البطالة صمود وتطور الاقتصاد المصري على نحو واسع، فوفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مؤخرا، فإن معدل البطالة «تراجع إلى 7.3 بالمئة في الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بـ7.8 بالمئة قبل عام». وارتفع الاحتياطي النقدي لمصر إلى 40 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر الماضي، بحسب بيانات البنك المركز المصري.
توقعات العام الجديد
توقعت المجموعة المالية هيرميس القابضة أن يواصل الاقتصاد المصري أداءه القوي خلال عام 2021، رغم استمرار تفشي فيروس كورونا عالميا، مؤكدة أن نجاح الاقتصاد المصري في تحقيق نمو إيجابي في العام الماضي في الوقت الذي توقفت فيه غالبية الأنشطة الاقتصادية في العالم يعتبر انجازًا كبيرًا له. فالاقتصاد المصري يدخل العام الجديد 2021 وهو لا يزال يقف على أرض صلبة اقتصاديًا وماليًا بفضل عملية الإصلاح الاقتصادي، ما سيساعده على الاستمرار في مواجهة تداعيات جائحة «كورونا» وسيتمكن من تمويل مختلف القطاعات دون أعباء إضافية كبيرة.
وساندت الاستثمارات العامة الاقتصاد وعوضت تراجع الاستثمارات الخاصة، فنحو 75% من الاقتصاد المصري قائم على الطلب المحلي وقد عوضت الاستثمارات العامة والدعم الذي وجهته الحكومة للمتضررين تراجع الطلب خلال أزمة كورونا وهو ما يعكس تنوع الاقتصاد الذي ساعد على خلق هامش للتدخل بعكس كثير من الدول كالأرجنتين وفيتنام ودول الخليج.
ولعب البنك المركزي المصري ومبادراته ودورها في دعم الصناعة والقطاع الخاص وعملية ضخ السيولة التي تمت بحرفية بحيث لم تؤثر على معدلات التضخم، مع الالتزام بعدم وقف برنامج خفض الفائدة، كما نجح في تشجيع القطاع الخاص على الاقتراض والتشغيل ما أدى إلى نمو معدلات الائتمان للقطاع الخاص بنسب تراوحت بين 17 و18 في المائة، فضلا عن مبادراته لمساعدة المتعثرين، كما نجحت سياسات «المركزي» في الحفاظ على الاستثمارات الاجنبية الساخنة لتمويل الغطاء الدولاري وهو ما يعد شهادة جودة.
الاقتصاد مستقر
ومن جانبة قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية إن الاقتصاد المصري مستقر، ومازال قادر على مواجهة تداعيات أزمة فيروس «كورونا» المستجد. وأضاف خلال لقائه بالسفير الإيطالي بالقاهرة جامباولو كانتينى، أن التنفيذ المتقن لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والتعامل بمنهجية استباقية، ساعد كثيرًا في احتواء تداعيات أزمة «كورونا»، وتخفيف حدة الصدمة.
وأوضح أن الحكومة دخلت مرحلة «الجائحة» بموقف أقوى مما كانت عليه قبل عامين، مما يؤكد أننا نسير على الطريق الصحيح، وقد حققنا مستهدفاتنا المالية والاقتصادية قبل أزمة «كورونا»؛ مما جعل لدينا دوافع كثيرة لاستكمال مسيرة الإصلاح والتطوير لتحسين مستوى المعيشة، ومواصلة جهود دعم القطاعين الصناعي والزراعي لتلبية احتياجات المواطنين خاصة في ظل «الجائحة».
وأكد حرص الحكومة على تحفيز بيئة الاستثمار، لتشجيع المستثمرين على التوسع في أنشطتهم الإنتاجية؛ بما يسهم في جذب استثمارات جديدة، وتوفير المزيد من فرص العمل، لافتا إلى أننا نتطلع لتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين مصر وإيطاليا، خاصة في المجال الاقتصادي، بما يخدم مصالح الشعبين، إضافة إلى تبادل الخبرات الدولية في مكافحة فيروس «كورونا» المستجد.