إيمان عريف
الدولة والمطور والعميل.. وعنق الزجاجة
تغييرات متسارعة يشهدها السوق المصري فى الآونة الأخيرة، ولعل هذا المقال يضع يده علي جرح غائر ويضغط بكل قوة.. ولن أضع رأسي تحت الرمال مثل النعام وانحاز لجانب علي حساب الآخر، ولكن سنضع الجميع علي طاولة واحدة للمناقشة سواء مطور أو مصنع أو عميل.. ولنترك الحكومة لحملها الثقيل.
قررت جميع الشركات بعد التعويم الأول للدولار عام 2016 تغير سياستها التسعيرية والتسويقية، ووضعت إجراءات للتحوط من المخاطر حسب دراسة كل شركة، والتي كانت بداية لارتفاع أسعار العقارات خلال الأعوام السبع الأخيرة، ومقابل هذا الارتفاع الشركات مدت فترات السداد لسنوات أطول ليستفيد الطرفان، المطور بأرباح تناسب المخاطر، والعميل بأقساط تناسب دخله، ولكن ليست دائما ما تأتي الرياح بما تشتهي السفن.
إذ حدث التحول العالمي بانتشار فيروس «كوفيد 19» والذي جمد العالم في بيوت أبوابها هشة كأوراق الشجر، أثرت علي اقتصاد كبري الدول العظمي، وانتظر الجميع مصيره غير المعلوم.. وبعد هدوء الرياح الفيروسية وتقبل العالم التعايش مع «كوفيد 19» جاءت موجه تضخم عالمي لم يشهدها العالم من قبل، وتابعتها حرب أوكرانية وروسيا التي لا يعلم نهايتها غير الله، ليدخل العالم فى نفق مظلم, وعجز العلم الاقتصادي عن تحديد دقيق لمتغيرات السوق غدا..
ومصر جزء من العالم، وتتأثر كباقي دول العالم من تضخم وأزمات وحروب، وانخفاض قيمة عملتها مقابل عملات الدول الكبري، ورغم كل المحاولات الحكومية لمحاولة تخطي الأزمة، إلا أنه كما ذكرت لا يستطيع أحد أن يتكهن ماذا يحدث غدا..
لنعود للمطور وأزماته مع الصناعة وتكلفة مدخلات البناء، وسداد ثمن الأرض، وأخيرا العميل الذي ينتظر وحدته في موعد محدد دون تأثر، وكيف نحل حسبة "برما" بين الأطراف الثلاثة التي ذكرتها.
وهنا نذكر المطور الذي يملك ملاءة فنية ومالية وصاحب سمعة وخبرة كبيرة في القطاع العقاري، ولدية مصداقية لدي عملاءه. إضافة إلي المناخ السائد في تأخر التسليمات التي لم تستطيع شركة واحدة في السوق العقاري، الالتزام بجدول تسليمات مبرم بالعقود، الجميع استخدم فترات السماح المبرمة بالعقود، إضافة إلي الشائعات حول تعديل العقود التي أبرمت لبيع وحدات وزيادة أسعارها لتتناسب مع المتغيرات الجديدة، وتحول الأمر لخوف بين «جروبات» العملاء الذين ينتظرون استلام وحداتهم التي تأخرت عن الموعد المحدد بالعقود، ما بين نفي وتأكيد.
وأثناء الاجتماع الأخير لغرفة التطوير العقاري.. نفت تماما أي تغيير في عقود تم إبرامها بالفعل، وناقشت كيفية الخروج من عنق الزجاجة دون خسائر للجميع، بسبب ارتفاع الخامات غير المتوقع، ووقف استيراد المواد الخام التي تدخل في الصناعة، وارتفاع سعر الدولار مع وجود سوق موازي.. وغيرها، واقتراحات حول ضرورة عودة مبادرة البنك المركزي للتمويل العقاري، وتغيير فلسفته، وهو حلقة الربط الوحيدة في هذا الزمن لكي تحقق استمرارية وديناميكية هذا القطاع وقدرة الناس علي الشراء علي 20 عاما، دون تعقيد ائتماني، ويكون الضامن للبنك هو الوحدة نفسها، وإذا تعثر العميل يتم سحب الوحدة ويسدد المطور المتبقي من ثمنها بالكامل للبنك، أو يقوم البنك ببيعها مرة أخري.. حسب مقترح رئيس غرفة التطوير العقاري.
ولكن وسط هذه الأزمات لم يتطرق أحد لتنظيم السوق وسرعة إصدار قانون إتحاد المطورين العقاريين، لينظم العلاقة بين كلا من الحكومة و لمطور والعميل ويضع قواعد تحمي الجميع. فالمطور لدية 100 سبب للتأخير وعدم الالتزام بالتسليمات في موعدها ويطالب الحكومة بمزيد من فترة السماح، وهذا حقه، والعميل يطالب بضرورة الالتزام بمواعيد التسليمات والمواصفات المبرمة بالعقود.. وهذا حقه أيضا، والدولة مكبلة بهموم كبيرة وملفات معقدة وسط مناخ عالمي ضبابي وغير مستقر.. والجميع يبحث عن الخروج من عنق الزجاجة.