صندوق النقد الدولى يحدد شكل الاستجابة الملائمة تجاه ارتفاع سعر الدولار
استجابات السياسات تجاه الضغوط الخافضة للعملات ينبغى أن تركز على عوامل الدفع وراء تحركات سعر الصرف الاستجابة الملائمة هى السماح لسعر الصرف بأن يتعدل مع استخدام السياسة النقدية للسيطرة على التضخم ارتفاع سعر السلع المستوردة يحد من تراكم الدين الخارجى فى النهاية.
بلغ الدولار أعلى مستوى له منذ عام 2000، بارتفاع قدره 22% مقابل الين، و13% مقابل اليورو، و6% مقابل عملات الأسواق الصاعدة منذ بداية هذا العام. وتنطوى هذه الزيادة الحادة فى قوة الدولار خلال شهور قلائل على انعكاسات اقتصادية كلية كبيرة بالنسبة لكل البلدان تقريبا، نظرا لهيمنة الدولار فى مجالى التجارة الدولية والتمويل.
وكتبت جيتا جوبيناث، منصب النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولى، وبيير–أوليفييه جورينشا أستاذ كرسى إس كيه وأنجيلا تشان فى الإدارة العالمية فى كلية الاقتصاد وكلية هاس لإدارة الأعمال فى جامعة كاليفورنيا بيركلى، فى مدونة صندوق النقد الدولى إنه بينما تراجع نصيب الولايات المتحدة من الصادرات السلعية العالمية من 12% إلى 8% منذ عام 2000، فإن نصيب الدولار من الصادرات العالمية ظل ثابتا حول نسبة 40%.
وبالنسبة لكثير من البلدان التى تكافح لتخفيض التضخم، أدى تراجع عملاتها مقابل الدولار إلى زيادة ما تواجهه من صعوبة فى تحقيق هذا الهدف.
وتشير التقديرات إلى أن كل ارتفاع فى سعر الدولار بنسبة 10% ينتقل تأثيره إلى التضخم على هيئة ارتفاع بنسبة 1%، فى المتوسط. وتكون هذه الضغوط بالغة الحدة فى الأسواق الصاعدة، انعكاسا لاعتمادها الأكبر على الواردات ونصيبها الأكبر من الواردات التى تسدَّد فواتيرها بالدولار مقارنة بالوضع فى الاقتصادات المتقدمة.
وقال الباحثان إن استجابة السياسات الملائمة للضغوط الخافضة لسعر الصرف تتطلب التركيز على القوى الدافعة لتغير سعر الصرف وعلى الإشارات الدالة على وجود اضطرابات فى السوق. وعلى وجه الخصوص، ينبغى ألا يكون التدخل فى سوق الصرف بديلا لإجراء تعديل مبرر فى السياسات الاقتصادية الكلية. وهناك دور للتدخل المؤقت حين تؤدى تحركات العملة إلى زيادة كبيرة فى المخاطر على الاستقرار المالى و/أو تشكل عائقا كبيرا أمام قدرة البنوك المركزية على الحفاظ على استقرار الأسعار.
أضافا أنه اعتبارا من الآن، تمثل أساسيات الاقتصاد عاملا رئيسيا فى ارتفاع سعر الدولار، أى الارتفاع السريع فى أسعار الفائدة الدولارية وتحقيق الولايات المتحدة معدلات تبادل تجارى أفضل – وهى مقياس لأسعار صادرات أى بلد مقابل وارداته – بسبب أزمة الطاقة.
وفى سياق مكافحة الارتفاع التاريخى فى معدل التضخم، شرع الاحتياطى الفيدرالى فى عملية تشديد عاجلة لمسار أسعار الفائدة الأساسية.
وإذ يواجه البنك المركزى الأوروبى امتداد التضخم على نطاق واسع، فقد أشار إلى مسار أقل حدة لأسعار الفائدة الأساسية، بدافع القلق من أن تؤدى أزمة الطاقة إلى هبوط اقتصادي. وفى الوقت ذاته، سمح التضخم المنخفض فى اليابان والصين للبنك المركزى فى البلدين بمقاومة الاتجاه العالمى نحو التشديد.
وتمثل صدمة معدلات التبادل التجارى الشديدة التى ترتبت على الغزو الروسى لأوكرانيا عامل الدفع الكبير الثانى وراء قوة الدولار. فمنطقة اليورو تعتمد بدرجة كبيرة على واردات الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعى من روسيا. وقد أدت قفزة أسعار الغاز إلى خفض معدلات التبادل التجارى إلى أدنى مستوياتها على مدار تاريخ العملة المشتركة.
أما فى الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بخلاف الصين، فقد كان الكثير منها متقدما فى دورة التشديد النقدى العالمية – مما قد يرجع فى جانب منه إلى القلق بشأن سعر صرف عملاتها مقابل الدولار – بينما مرت مجموعة الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأولية بصدمة إيجابية فى معدلات التبادل التجاري. وبالتالى، كانت ضغوط أسعار الصرف فى متوسط اقتصادات الأسواق الصاعدة أقل حدة مما كانت عليه فى الاقتصادات المتقدمة، بل إن سعر الصرف ارتفع فى بعضها، مثل البرازيل والمكسيك.
وقالا إنه نظرا للدور المؤثر الذى تؤديه أساسيات الاقتصاد كعوامل دافعة، فإن الاستجابة الملائمة هى السماح لسعر الصرف بأن يتعدل، مع استخدام السياسة النقدية لإبقاء التضخم قريبا من المستوى المستهدف.
وسيساعد ارتفاع سعر السلع المستوردة من خلال تأثيره الخافض للواردات على تحقيق التكيف اللازم مع الصدمات التى تواجهها أساسيات الاقتصاد، مما يساعد بدوره على الحد من تراكم الدين الخارجى. وينبغى استخدام سياسة المالية العامة لدعم أكثر الفئات ضعفا دون تعريض مستهدفات التضخم للخطر.
ويرى الاقتصاديان أنه ثمة حاجة لخطوات إضافية أيضا لمعالجة مخاطر التطورات السلبية العديدة التى تلوح فى الأفق. فمن المهم الانتباه إلى أننا قد نشهد اضطرابات أكبر بكثير فى الأسواق المالية، بما فى ذلك احتمال الفقدان المفاجئ للإقبال على أصول الأسواق الصاعدة مما يمثل دافعا لخروج تدفقات رأسمالية كبيرة، حيث يتراجع المستثمرون مُفَضِّلين الاستثمار فى الأصول الآمنة، وفى هذه البيئة الهشة، من الحكمة تعزيز الصلابة فى مواجهة الصدمات.
فبالرغم من أن البنوك المركزية فى الأسواق الصاعدة قد راكمت احتياطيات دولارية فى السنوات الأخيرة، مستفيدة من دروس الأزمات السابقة، فإن هوامش الأمان هذه محدودة وينبغى استخدامها بحكمة.
تعزيز الصلابة
وقالت جوبتا ووجورينشا، إنه يتعين على البلدان المحافظة على احتياطياتها الأجنبية الحيوية للتعامل مع التدفقات الخارجة والاضطرابات التى قد تزداد سوءا فى المستقبل.
فالبلدان التى تستطيع إعادة العمل بخطوط تبادل العملات مع البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمة يتعين عليها القيام بذلك. وينبغى للبلدان ذات السياسات الاقتصادية السليمة والتى تحتاج إلى معالجة مواطن ضعف معتدلة أن تستفيد بشكل استباقى من الخطوط الوقائية التى يتيحها صندوق النقد الدولى لتلبية احتياجات السيولة فى المستقبل. أما البلدان ذات الديون الكبيرة المقومة بالعملات الأجنبية، فعليها الحد من عدم اتساق العملات الأجنبية باستخدام إدارة تدفقات رأس المال أو السياسات الاحترازية الكلية، بالإضافة إلى عمليات إدارة الدين بغية تمهيد أنماط السداد.
وبالإضافة إلى أساسيات الاقتصاد، ففى ظل ضيق الأوضاع فى الأسواق المالية، تشهد بعض البلدان دلائل على اضطرابات فى السوق مثل ارتفاع علاوات التحوط لمخاطر العملات وعلاوات التمويل بالعملة المحلية. ومن شأن الاضطرابات الحادة فى أسواق العملات الضحلة أن تتسبب فى تغيرات كبيرة فى هذه العلاوات، مما قد ينشئ حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى الكلى والمالى، وفى مثل هذه الحالات، قد يكون من الملائم القيام بعمليات تدخل مؤقتة فى سوق الصرف الأجنبى.
ومن الممكن أن يساعد هذا أيضا فى منع تضخم التطورات المالية المعاكسة إذا سجل سعر العملة انخفاضا كبيرا فزاد من مخاطر عدم الاستقرار المالى، مثل تعثر سداد ديون الشركات، بسبب عدم اتساق العملات. وأخيرا، فإن التدخل المؤقت يمكن أيضا أن يدعم السياسة النقدية فى الظروف النادرة التى يمكن أن يؤدى فيها انخفاض سعر الصرف بدرجة كبيرة إلى انفلات التوقعات التضخمية عن الركيزة المستهدفة، ولا تتمكن السياسة النقدية وحدها من استعادة استقرار الأسعار.
وقال الاقتصاديان إنه بالنسبة للولايات المتحدة، فبالرغم من التداعيات العالمية لارتفاع سعر الدولار وتشديد الأوضاع المالية العالمية، لا يزال التشديد النقدى هو السياسة الملائمة بينما يظل التضخم فى الولايات المتحدة أعلى من المستهدف حتى الآن. ومن شأن عدم اتخاذ هذا المسار أن يضر بمصداقية البنك المركزى هناك، ويتسبب فى انفلات التوقعات التضخمية، ويستلزم مزيدا من التشديد فى وقت لاحق ويؤدى إلى تداعيات أكبر على بقية العالم.
أضافا أنه مع ذلك، ينبغى للاحتياطى الفيدرالى أن يأخذ فى اعتباره أن التداعيات الكبيرة من المرجح أن تسفر عن تداعيات مرتدة إلى الاقتصاد الأمريكى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة، باعتبارها مصدرا عالميا للأصل العالمى الآمن، يمكنها إعادة تفعيل خطوط تبادل العملات للبلدان المؤهلة، مثلما فعلت فى بداية جائحة كورونا، لتوفير صمام أمان مهم خلال فترة الضغوط فى أسواق العملات.
ومن شأن هذا أن يكون مكملا مفيدا للتمويل الدولارى الذى يوفره الاحتياطى الفيدرالى من خلال آليته الدائمة “تسهيل إعادة الشراء للسلطات النقدية الأجنبية والدولية”.
وقالا إن صندوق النقد الدولى يواصل العمل الوثيق مع البلدان الأعضاء لتصميم سياسات اقتصادية كلية ملائمة فى هذه الفترة المضطربة، معتمدا فى ذلك على إطار السياسات المتكامل. وبخلاف التسهيلات التمويلية الوقائية المتاحة للبلدان المؤهلة، يقف الصندوق على أهبة الاستعداد لتقديم موارده المخصصة للإقراض إلى البلدان الأعضاء التى تمر بمشكلات فى ميزان المدفوعات.