عادات جديدة لدى المسافرين أتاحتها تسهيلات العمل مِن بُعد
ساهمت التسهيلات التي أتاحها العمل مِن بُعد في إنتاج عادات جديدة لدى مستخدمي شركات الطيران الأمريكية، مدفوعين برغبتهم في تعويض ما فاتهم من متعة السفر بسبب جائحة كوفيد، إذ ما عادوا يترددون مثلاً في السفر خلال أيام الأسبوع لا في عطلته فحسب، ولا في تمديد رحلات العمل بضعة أيام للراحة، وباتوا مستعدين لإنفاق مبالغ أكبر توخياً لمزيد من الرفاهية.
فبفضل المرونة التي بات أصحاب العمل يتيحونها، والتقنيات الجديدة كاجتماعات "زوم"، لم يعد الموظفون مضطرين إلى التسمّر على كراسي مكاتبهم طوال الوقت، بل باتت لديهم حرية حركة أكبر بفضل تراجع قيود العمل.
وبالتالي، بدلاً من العودة من رحلة السفر مساء الأحد أو صباح الاثنين للتمكن من معاودة عملهم، لم يعد المستخدمون يترددون في حجر مقعد العودة على طائرة الثلاثاء، أو المغادرة في رحلة الخميس لبدء عطلة نهاية الأسبوع، على ما أفادت شركات "أمريكان" و"يونايتد" و"دلتا" في نتائجها الربعية.
وقال المدير التجاري في "يونايتد" أندرو نوسيلا "كنا عادةً نستغني عن تسيير الرحلات الثلاثاء والأربعاء" على الخط بين نيويورك وأوروبا مثلاً. أما هذا الشتاء، فلدى الشركة "نسبة أكبر من الخطوط التي تعمل يومياً طوال الأسبوع". وفي السياق نفسه، امتد الطلب إلى ما بعد الإجازات المدرسية.
ولاحظت "دلتا" ارتفاعاً في عدد الرحلات إلى فلوريدا خلال أيلول/سبتمبر، وهو شهر يتسم عادة بتراجع الطلب. وقال مدير الشركة غلين هونستين إن الإقبال على السفر خلال هذا الشهر وصل إلى درجة أن البعض "لم يعد يتمكن من إيجاد تذاكر دخول إلى +ديزني لاند+" خلاله.
وحققت "يونايتد" خلال أيلول/سبتمبر ثالث أفضل شهر في تاريخها.
وأوضح هنري هارتفيلدت من شركة الأبحاث "أتموسفير ريسيرتش جروب" أن "البعض لم يتمكن ربما من شراء تذاكر بأسعار معقولة خلال أشهر الصيف بسبب ارتفاع الطلب، أو قد يكون قرر تأجيل السفر. وربما أراد آخرون استخدام رصيد نقاط السفر التي حصلوا عليها تعويضاً عن ثمن تذاكر في رحلات ألغيت بسبب الجائحة، قبل انتهاء مدة صلاحية هذه النقاط".
الحد من التوتر
وتتوقع الشركات على أي حال أن يستمر هذا المنحى، على الأقل على المدى القصير، إذ سُجلت على سبيل المثال حركة حجز أكبر من المعتاد بين عطلة نهاية الأسبوع الطويلة بمناسبة عيد الشكر في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر وعطلة عيد الميلاد.
وهذا الاتجاه يجعل عمل شركات الطيران أسهل. وقال أندرو نوتيسيلا "نعمل عادة على تعديل احتياجاتنا من الطيارين للفترة من 15 حزيران/يونيو إلى 15 آب/أغسطس". واضاف "إذا تمكنّا من تمديد هذه الفترة، فهذا يجعلنا أكثر فاعلية".
أما رحلات العمل التقليدية التي تُحجز تذاكرها من خلال الشركات، فلم تعد تماماً إلى مستوى ما قبل الجائحة. ورأى هنري هارتفيلدت أن "كثراً من أهم المسافرين أعادوا تقييم هذا الجانب من حياتهم ولم يعودوا يريدون" الإفراط في السفر.
وفي المقابل، بات المزيد من الأشخاص يعمدون إلى تمديد رحلاتهم بضعة أيام، أو حتى يلجأون إلى العمل موقتاً من مكان آخر.
وقال غلين هونستين "ذهبت إلى باريس الأسبوع الفائت لحضور اجتماع وقضيتُ عطلة نهاية الأسبوع هناك بهدف المتعة". واضاف "في الماضي، لكنتُ عدتُ فوراً".
وكانت هذه الفئة من المسافرين الذين يجمعون بين العمل والمتعة تشكّل سابقاً 45 في المئة من حجم الأعمال، في مقابل 30 في المئة للسياح و 25 في المئة لرحلات العمل البحتة.
ويصبّ هذا التطور في مصلحة الشركات، إذ أن هؤلاء المسافرين أكثر ميلاً من غيرهم إلى الاشتراك في برامج الولاء أو إلى حجز تذاكرهم مباشرة على موقع الشركة، على ما أكد رئيس "أمريكان إيرلاينز" روبرت إيسوم.
وأفادت الشركات أخيراً عن استعداد بعض المسافرين ليدفعوا أكثر بقليل في مقابل رحلة أفضل.
وقال هنري هارتفيلدت إن هؤلاء "يدفعون مقابل الراحة، والخدمات الأفضل، لتقليل التوتر والانزعاج، ويدفعون مقابل المقاعد ذات المساحة الأكبر للساقين ، في الدرجة الاقتصادية الممتازة ، حتى في درجة رجال الأعمال بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها".
إلا أن "من الصعب التكهّن" في شأن إمكان استمرار هذا الاتجاه، وخصوصاً في ظل التباطؤ الاقتصادي، على ما لاحظت كريس رايت، من شركة "ثيرد بريدج" الاستثمارية.
وتمكنت الشركات من زيادة أسعارها بشكل كبير في الأشهر الأخيرة بفعل الطلب القوي وعدم إمكان توفير المزيد من المقاعد نظراً إلى نقص الطائرات والطيارين.
وسألت كريس رايت "هل بإمكان الشركات إبقاء الأسعار مرتفعة في الربع الرابع وما بعده".