تحليل: "البلطجة" هي الخطر الذي يواجه الديمقراطية والسلام في العالم
من المعروف تماما أن الاقتصاد يعاني تدهورا شديدا في أنحاء العالم لأسباب متعددة واضحة للغاية، وفي الوقت نفسه يرى الكاتب و المحلل الألماني أندرياس كلوث أن الديمقراطية تعاني أيضا من تدهور عالمي.
وكذلك السلام على الصعيدين الدولي والمحلي.
وهناك أسباب كثيرة للغاية لذلك، فما هو أكبر هذه الأسباب؟
ويقول كلوث ، في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن كثيرا من المثقفين يلقون اللوم على أنواع مختلفة من الاستقطاب: اليسار في مواجهة اليمين، والنخب ضد الشعبويين، والمتحمسون ضد المتحفظين، والمتعلمون أو الأغنياء ضد غير المتعلمين أو الفقراء، والمحليون ضد العالميين، والاستبداديون الصينيون- الروس ضد الديمقراطيين الغربيين، وهلم جرا.
ولكن كلوث يرى أن الثنائية الأكثر أهمية بين تلك الثنائيات هي المتحضرون في مواجهة البلطجية. والمشكلة – في الولايات المتحدة، وأوروبا، والبرازيل، والصين ، والأمم المتحدة- هي أن الفوز مؤخرا كان من نصيب البلطجية في كل مكان تقريبا. وكلمة " بلطجي" ( (thug يرجع أصلها للغة الهندية وكانت تشير أساسا للعصابات العنيفة أو اللصوص.
وفي الوقت الحالي يتم استخدام هذه الكلمة لتشير للمشاغبين، أو المتنمرين أو غيرهم من البهيميين.
والبلطجة أساسا هي الترويع باستخدام التهديد بالعنف. وهي تنتشر حيثما ينهار التحضر. ففي أماكن مثل ألمانيا أو إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى خرج البلطجية إلى الشوارع يضربون الآخرين أو يعنفون بالقول من لا يروقون لهم.
وكانوا يطلقون على أنفسهم أصحاب القمصان السوداء ، و أصحاب القمصان البنية، والفيالق الحرة، والجبهات الحمراء وغيرها.
وتشمل نظراؤها المعاصرة حراس العهد، والأولاد الفخورون ( براود بويز وهي جماعة يمينية متطرفة يتشكل معظم أعضائها من الذكور فقط ) وذئاب الليل( وهو نادي دراجات روسي) وغيرهم.
ويضيف كلوث أنه سواء كانوا يتملقون موسوليني، أو لينين، أو ترامب، أو بوتين أو أي زعيم آخر، فإنه يمكن القول أن السياسة هي مجرد غطاء.
فالظاهرة الأساسية هي البلطجة.
ولا يحتاج البلطجية أن يكونوا مشاكسين جسديا ليخربوا ميدانا عاما.فالعنف يكفيه أن يكون ضمنيا، أو لفظيا، أو بدون شعور.
ذلك لأن الاعتداء في أي شكل من الأشكال يقضي على الأشياء التي تجعل المجتمع المتحضر ممكنا: حيث التخاطب والتفكير المتروي.
ويوضح كلوث أن كلمة " يتخاطب" تعني أساسا التقارب بين شخص وآخر بغرض التواصل- والاقتراب أكثر من حقيقة شىء ما، وربما حتى لإيجاد حلول لمشكلات عامة. ومن سمات مثل هذا التقارب التناقض والدهاء وروح الفكاهة.
ولكن عندما يلتقي البلطجية للحديث، فإنهم لا يهدفون للتقارب أو التواصل، أو التعلم ، أو الفهم، او الإنصات.
فهم يلتقون من أجل الهيمنة.
والفوز هو غايتهم، وليس للحقيقة صلة بالأمر. وهذا تفكير سيىء، وهو ما يفسد الروح المدنية.
والنتيجة هي"نقاشات" و" محادثات" زائفة.
وعادة ينحدر البلطجية لمستوى نقاش شرس يعرف بـ"الماذا عنية"(Whataboutism ( والمعروف أيضا بـ"ماذا عن" وهو أحد أنواع المغالطة التي تحاول التشكيك في موقف الخصم من خلال اتهامه بالنفاق دون دحض حجته بصورة مباشرة. وكل ما يهم هو الذخيرة التي يمكن للبلطجية إطلاقها على من يتحدث معهم – والغطاء الذي يوفره لهم الغوغاء التابعون لهم.
ويوضح كلوث أن "الماذا عنية" وغيرها من أشكال البلطجة اللفظية ليست بجديدة. فقد كانت بالفعل موضوعا رئيسيا في الحوارات السقراطية( في ذلك الوقت كان ما يسمى بالسفسطائيين هم البلطجية اللفظيين)،ثم في المحاكمة التي انتهت بالحكم على سقراط بالإعدام.
ويقول كلوث أن البلطجة اللفظية تمثل إشكالية لسببين. أولهما الجو العام.
فعندما يترأس البلطجية أو قادتهم مجموعة من الغوغاء لهم باع طويل في الكلام المشاكس، من السهل أن يتحول العنف إلى عنف بدني. والنتيجة أعمال عنف مثل الهجوم الذي شهده مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 كانون الثاني/ يناير عام 2021.
والسبب الثاني هو أن البلطجة اللفظية شكل من أشكال" الرذيلة المعرفية". ومثلما تطرد العملة السيئة العملة الجيدة، تحل " الرذيلة المعرفية" محل" الفضيلة المعرفية" ، وهو تعبير يستخدمه الأكاديميون للاشارة إلى التواضع الفكري- أي القدرة على التعرف على حدودنا المعرفية، للاعتراف عندما نكون على خطأ، وتغيير أو تعديل خياراتنا، لتظل عقولنا منفتحة.
وما حدث عندما يسيطر البلطجية على الأمور- كما حدث في جمهورية فايمار الألمانية- هو أن المواطنين المتحضرين انتابهم الخوف و كمنوا في نطاقاتهم الخاصة، تاركين الميدان العام للأشرار.
وهنا تراجعت الفضائل المعرفية التي اهتم بها كثيرا الأباء المؤسسون في أمريكا؛ وزادت الرذائل. وتشمل أعراض ذلك انتشار نظريات المؤامرة و الاستخفاف بالحقيقة.
والقيمة الوحيدة التي بقيت هي القوة.
واختتم كلوث تحليله بالتساؤل عما إذا كان هناك علاج مضاد إذا كانت البلطجة فيروسا يعرض للخطر المجتمعات المفتوحة.
وأعرب عن خشيته من عدم وجود مثل هذا العلاج وقال إن دفاعاتنا هي فقط حصن تحضرنا. ويرى أنه ربما كان الأشخاص الذين يتسمون بالعقلانية والتواضع الفكري ما زالوا يمثلون الأغلبية العددية.
ولكن في الغالب الأعم لا يحظون بالاستماع إليهم.
ولكي تحظى الديمقراطية والسلام بفرصة، يتعين عليهم البدء بالتصويت وفق سلوكهم- وعدم الالتفات إلى الترجيحات التليفزيونية، ورفض الأكاذيب، وأساليب التلاعب وغيرها.
يجب أن يبدأ البلطجية في الخسران.
والتاريخ يشير إلى أن هذه الصراعات يمكن أن يكون مصيرها أي من الاتجاهين.