بهدوء وتأن تحيك ثورة صغيرة عقدها في تقاليد السجاد الإيراني المنسوج يدويا: ففي مواجهة منافسة دولية متنام

السجاد الايراني,الإنتاج الإيراني,مصر,الصفقة,السجاد

عاجل
رئيس التحرير
إيمان عريف
رئيس التحرير
إيمان عريف

السجاد العصري يهدد مكانة الإنتاج الإيراني.. صراع أذواق

بهدوء وتأنٍّ، تحيك "ثورة" صغيرة عَقدَها في تقاليد السجاد الإيراني المنسوج يدويا: ففي مواجهة منافسة دولية متنامية، يتم تدريجاً الابتعاد عن الأعمال التقليدية ذات الزخارف الزهرية الشكل، لصالح تصاميم هندسية عصرية أصغر حجماً وأقل كلفة.



بعد توقف لعامين بسبب حائجة كوفيد-19، شهدت طهران في أغسطس معرضها السنوي للسجاد اليدوي، بمشاركة زهاء 400 عارض من مختلف أنحاء الجمهورية الإسلامية.  وأتى المعرض في وقت تشهد انتاجات تقليدية من شيراز وتبريز وقم وأصفهان، منافسة حادة من منتجين للسجاد في الهند والصين وحتى تركيا.

إلا أن أحد عظيم زاده الذي يقدّم نفسه كـ"أكبر مصدّر للسجاد الفارسي في العالم"، يؤكد أن السجاد اليدوي الذي تعود تقاليده الى قرون خلت، بات يشهد تحوّلات للتأقلم مع الواقع. ويوضح التاجر البالغ 65 عاماً أن "ثورة تحصل حالياً". ويضيف "بالطبع، للسجاد التقليدي زبائنه، إلا أن المستقبل للسجاد العصري المحاك يدوياً".

تحدّث عظيم زاده الى وكالة فرانس برس أمام سجادة رُسمت عليها مئة وشخصيتان من مشاهير العالم، مثل الممثل تشارلي شابلن والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين أو العالِم ألبرت آينشتاين.

تطلّب إنجاز السجادة، ومساحتها نحو ثلاثة أمتار مربعة، زهاء خمسة أعوام، وتعرض للبيع بنحو 90 ألف دولار.

ويتضمن المعرض سجادات قيّمة، مثل سجادة تبريز بمساحة ألفي متر مربع يناهز سعرها 120 مليون دولار، وأخرى كاشان من الحرير يعود تاريخها الى 170 عاما، وتقدّر بنحو 160 ألف دولار.

وحياكة السجاد هي من الحرف التاريخية في إيران. وتعود أقدم سجادة فارسية محفوظة الى 2400 عام وهي معروضة في متحف إرميتاج في روسيا. 

وتُعد الحقبة الصفوية (بين القرنين السادس عشر والثامن عشر)، فترة الذروة لهذا الفنّ التراثي.

ويقول عظيم زاده إن "الزخارف التقليدية للسجاد الإيراني تعود الى آلاف الأعوام، لكن اليوم نشهد طلباً متزايداً على الأشكال المعاصرة التي تتناسب أكثر مع المنازل الحديثة". ويوضح "الألوان واضحة والأحجام أصغر. هذا ما يرغب به الجيل الجديد".

أذواق 

رغم ذلك، تبقى السجادات التقليدية طاغية في جناح عظيم زاده الذي يرجّح تغيّر الوضع في الأعوام المقبلة.

ويضيف الرجل الذي بدأ حياكة السجاد وهو في السابعة من عمره ودخل ميدان التجارة في سن الـ14 في أصفهان "في العام المقبل، 70 بالمئة من السجادات المعروضة ستكون حديثة".

وبينما يحتفظ السجاد الإيراني بمكانته لدى المقتنين والعارفين، تراجعت مبيعاته في العقود الماضية لصالح إنتاجات الهند والصين خصوصاً.

ويقول رئيس نقابة مصدّري ومنتحي السجاد اليدوي أحمد كريمي أصفهاني لوكالة فرانس برس "في العام 1994، بلغت قيمة مبيع السجاد الإيراني في الخارج 1,7 مليار دولار، ومثّلت 40 بالمئة من صادراتنا غير النفطية".

الا أن هذه المبيعات لم تتخط 64 مليون دولار خلال 2021-2022، وفق المركز الوطني للسجاد في إيران. ويشدد كريمي أصفهاني على أن العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية "أثّرت بالتأكيد، لكن الانخفاض يمكن تفسيره خصوصا بالتنوع الكبير في سوق السجاد والتبدل في ذهنيات وأذواق الجيل الجديد".

ويضيف "في الوقت الراهن، ينظر الناس الى السجاد على أنه سلعة استهلاكية توضع قرب الباب، بينما كان في الماضي استثمارا، والسجادة كانت عبارة عن رأسمال للمستقبل". ويأسف كريمي أصفهاني لأن السجاد "خسر مركزه كقطعة فنية".

موضة

قبل 25 عاما، بدأ عباس عرسين بتنفيذ ما يُسميه "السجادة الانتقالية".

ويوضح الرجل المتحدر من عائلة من تجار السجاد، أن المبدأ يقوم على تبهيت الألوان الزاهية للقطع ذات الزخارف التقليدية من خلال حفّها وتعريضها للشمس.

ويقول "عندما بدأت هذه التقنية، لم يفهم والدي وشقيقي ما كنت أقوم به. لكن عندما عرضت قطعي الأولى وأقبل الزبائن على الشراء، طلبا مني ألا أقوم سوى بذلك".

ويعتبر التاجر الأربعيني أن الهند وباكستان وتركيا والصين تجاوزت الجمهورية الإسلامية في سوق السجاد العالمية "لأن العلاقات التي تربطنا كإيرانيين بدول العالم أقل (من الآخرين). لم نرَ التغييرات تطرأ".

الا أن التوجه نحو السجاد الحديث لا يحصد إجماعاً في النسخة التاسعة والعشرين من معرض السجاد اليدوي. ويقول مدير المبيعات في "إيران كاربت كومباني" مهدي جمشيدي إن الشركة التي تأسست قبل أكثر من 85 عاماً "بدأت إنتاج سجاد ذات زخارف حديثة قبل نحو عام، لكن ذلك لا يمثّل سوى خمسة بالمئة من إنتاجنا".

ويضيف لوكالة فرانس برس "لا أعتقد أننا سنقوم بأكثر من ذلك (...) السجاد الحديث لن يحلّ أبدا بدلاً من التقليدي المتجذر في ثقافتنا ومناطقنا".

ويعكس حميد سياح فر، وهو تاجر سجاد بين طهران وتورونتو، رأياً مماثلاً.

ويرى الرجل البالغ 54 عاماً أن الاقبال على التصاميم الحديثة "هو موضة، وكما كل موضة، سينقضي وقتها".

ويشدد على أن "القطع الحديثة جيدة لتزيين المكاتب لا أمكنة العيش".