عودة أداء فريضة الحج بشكلها الطبيعي
المفتي: يستحب المبادرة إلى اغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة بالعمل الصالح
هنَّأ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم الشعبَ المصريَّ والأمة العربية والإسلامية، بمناسبة عودة أداء فريضة الحج بعد عامين من التوقف بشكلها الطبيعي، بسبب إجراءات كورونا.
جاء ذلك خلال لقاءه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مؤكدًا أن العشر الأُول من شهر ذي الحجة هي أيام مباركة بثَّ الله خلالها نفحات إلهية وأشاع فيها الرحمة العامة، وهي تمتاز باجتماع أمهات العبادة فيها بكيفية لا تتأتى في غيرها كالصلاة والصيام والحج والصدقة والحث على فعل الخير والاجتهاد في الطاعة؛ ولذلك يستحب المبادرة إلى اغتنام هذا الوقت الفضيل والتعرض لهذه النفحات بمزيد من العمل الصالح وإتقانه، والمشاركة الإيجابية في تنمية المجتمع والنهوض به، ومواساة الفقراء، ومساعدة أصحاب الحاجات وغير القادرين؛ فهي أعمال أرجى في القبول وأجزل في الثواب؛ وذلك لكون هذه الخصال من العبادات المتعدية النفع، ولما اختصَّ الله تعالى هذا الزمان بالمزية والتفضيل حيث يفضَّل فعل أي عمل صالح فيه على فعله في سائر أيام السنة في الأجر والثواب.
الحج فرصة مباركة لإصلاح القلوب وتهذيب النفوس
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن شعيرة الحج تُعدُّ بمناسكها مجالًا واسعًا وفرصة مباركة لإصلاح القلوب وتهذيب النفوس وتزكية الأخلاق وزيادة الإيمان؛ فكم في الحج من المعاني السامية التي تعمل على بناء شخصية المسلم بطريقة ذاتية، ولما كانت هذه المعاني مقصودة بشكل مباشر في شعيرة الحج، لدورها المؤثر في مسيرة بناء الفرد وتهذيب نفسه وإصلاح أحواله؛ لأجل ذلك قال فقهاء المالكية كالإمام القرافي وغيره بعدم جواز إنابة الشخص غيره لأداء هذه العبادة، ولكن المفتَى به في دار الإفتاء المصرية هو مشروعية الحجِّ عن الغير وقابليته للنيابة بضوابط وشروط.
وشدَّد المفتي على أن كُلَّ التكاليف الواردة في الشَّريعة الإسلاميَّة تقوم على مراعاةِ جلبِ المصالحِ ودَفْعِ المفاسد، وبهذا جزم الإمام الشاطبيُّ بعد أن استقْرَأ مواردَ الشَّريعةِ، فوجد أن مقصودَ الشَّارعِ من التكاليفِ ينحصر في هذه الغاية التي عبَّر عنها بقوله: "جلبُ المنفعةِ، أو دفعُ المضرَّةِ مطلوبٌ للشَّارعِ مقصودٌ"، وإذا كان ما قرَّره الإمام الشاطبيُّ هو الأساسَ في الشَّريعة، إلا أننا نجدُ أنَّه في تفاصيلِ بعضِ الجزئيَّاتِ في التكاليفِ الشَّرعيَّة عجزَ العقلُ عن إدراك حقيقتها؛ بحيث إن الإنسان يعجزُ في الجواب عن: لماذا شُرِعَ هذا التكليفُ على تلك الهيْئة التي أُمِرْنا بأدائه عليها؟ وقد يأتي سؤال آخر في بعض هذه التكاليف عن: لماذا جاء بهذا العدد دون غيرِه؟! ولا نجد جوابًا لذلك إلا بأن نتعبَّد اللهَ سبحانه وتعالى بما أَمَر، وعلى الهيئَةِ التي جاء بها، وبالعدد المأمور به؛ تسليمًا وخضوعًا لربِّ العالمين، ما دام النَّصُّ قد وردَ في ذلك صحيحًا صريحًا، وهذا ما يسمى عند العلماء بـ "الأحكامِ التعبُّديَّةِ"؛ أي: التي نتعبَّد اللهَ عز وجلَّ بها، وبكيفيَّتِها التي وردتْ في النَّصِّ الشَّريف، حتى وإن لم ندرك كُنْهَ هذه الكيفيَّات، مع جزمنا بأن هذه الأحكام ما جاءت إلا لجلب مصلحةِ الإنسان في الدنيا والآخرة.
وأضاف مفتي الجمهورية أن الحجَّ يُعَدُّ من العبادات التي يغلب عليها هذا المعنى التعبُّديُّ، ويسري في مناسكه كلِّها؛ كمثلِ الطَّواف حول الكعبة؛ حيث تَرِدُ الأسئلة عن تحديده بسبعة أشواطٍ، دون زيادة أو نقصان، وكذلك عن كيفيَّته، حيث تكون الكعبةُ عن يسار الطائفِ، والبدايةُ من الحجرِ الأسودِ، كلُّ ذلك، والعبد مُسلِّمٌ لخالقه فيما أمر؛ بل إنَّه حين يفعل هذه المناسك تمتزجُ بروحه ووجدانه، ويتعلَّقُ قلْبُه بها، حتى إنه إذا ما كانت لحظة الفراق لهذه الأماكن المباركة ظلَّ القلْبُ متعلِّقًا بها، حتى وإن فارقها الجسد، وهذا المعنى ليس قاصرًا فقط على الطواف؛ بل هو سارٍ في أعمال الحجِّ كلِّها.
وأكد المفتي أن مسألة المفاضلة بين شخص أدى فريضة الحج من قبل، وشخص لم يؤدِّها قط تحتاج إلى فقه؛ لأننا كلنا نتشوق إلى زيارة بيت الله الحرام، فالمسألة هنا متروكة للجهة المنظمة للحج، والشريعة تقر كل ما يؤدي إلى مصلحة الإنسان ما دام فيه تحقيق لإعطاء الفرص وتأمين الفريضة وتأمين صحة الناس.