بعد مطالبة شيخ الأزهر بإعادة إحياءها
تعرف على حق «الكد والسعاية»: يمنح المرأة نصف ثروة الرجل بعد الطلاق أو الوفاة
في إطار الاجتهاد الأزهرى في فقه النساء ومحاولات التجديد في الأمور الجدلية التي تمس حقوقهن، وعلى وقع الجدل المثار حول قضايا المساواة بين الجنسين، خرج شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، للمطالبة بإعادة إحياء فتوى حق «الكد والسعاية للمرأة»، وهي فتوى تقضي بحق ونصيب معلوم للمرأة في مال زوجها يصل إلى نصف ثروته؛ سواء في حالة الطلاق أو الوفاة، ذلك نظير عملها ومشاركتها له في تكوين تلك الثروة.
وأكد شيخ الأزهر الفتوى، التي أوصى بإحياءها الثلاثاء الماضي، بأنها لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت عليها النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة.
حيث يٌعرف حق «الكد والسعاية» في التراث الإسلامي بأنه حق المرأة في الثروة التي يُنشئها ويُكوِّنها الزوج خلال فترة الزواج، بحيث تحصل على جرايتها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية في تكوين هذه الثروة، وترجع الجذور التاريخية للفتوى إلى تطبيقها في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، في القرن الـ7 الميلادي الأول هجريًا؛ إذ قدمت حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، إلى «الفاروق» عمر بن الخطاب وهي نساجة طرازة ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا.
وفي نزاع حول حقها بعدما مات الزوج وترك أراضي ودورا وأموالا فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسمو؛ قامت عليهم حبيبة ونازعتهم لكون هذه الأموال بفضل «كدها وسعايتها» مع زوجها، فذهبت رفقة المتنازعين إلى الخليفة ليحكم بينهم بالعدل.
اختصمت حبيبة بنت زريق، ورثة زوجها لدى عمر بن الخطاب، فقضى بينهما بالشركة نصفين فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها وسعايتها ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولداً.
وفق الدراسات، أجمعت المذاهب الفقهية الإسلامية، على «حق الكد والسعاية»؛ لا سيما المالكية والحنفية منهم.
وعمل فقهاء المالكية على تأصيل «حق الكد والسعاية» أو «حق الشقا»، بأن مالك بن أنس وأصحابه اتفقوا على أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل وغيرها شريكة في ثروة زوجها.
وفي القرن الـ16 الميلادي العاشر الهجري، تجدد الجدل حول هذه الفتوى التي أحياها وأكدها أبوالعباس أحمد بن الحسين بن عرضون، وهو فقيه تولى القضاء في مدينة شفشاون شمالي المغرب في أواخر القرن السادس عشر الميلادى.
واستندت الدراسات التاريخية إلى التجديد بمذاهب فقهاء المذهب المالكى، الذين أثروا فتاوى النوازل «أي المستجدات»؛ حين سُئل عن نصيب المرأة بعد انقضاء الزوجية بالطلاق أو الوفاة، أصدر فتواه في أرجوزة على طريقة أغلب فقهاء المالكية قال فيها أن لهن قسمة بالتساوي بحسب تعبهن وكدهن مع الزوج.
ويعد حق «الكد والسعاية» أو «حق الشقا» آلية عرفية قوامها العدل والإنصاف والاعتراف بالجميل، تضمن للأفراد المساهمين في تكوين الثروة الأسرية والعائلية أو تنميتها إمكانية المطالبة بحقوقهم المالية المترتبة عن مساهمتهم في تكوين تلك الثرو؛ وفق الدكتور كمال بلحركة، أستاذ باحث في كلية العلوم القانونية في المغرب.
ولا يقتصر «حق الكد والسعاية» على الزوجة؛ بل يشمل الأبناء والأقارب الذين ساهموا في تنمية واستثمار أموال الأسرة تطوعًا دون نصيب أو أجرة معلومة، وبالتالي لهم الحق في الحصول عليه عندما يطالبون به، بمقدار عملهم، وفقًا للباحث كمال بحركي في دراسته القاوية المستندة إلى المذاهب الفقهية.
ووفق فتوى، للشيخ، أسامة الأزهري، أمين الفتوى بدار الإفتاؤ المصرية؛ فأن حق الكد والسعاية لا يتضمن الأعمال المنزلية اليومية والأدوار التي تقوم بها في بيت زوجها.
وحول ذلك يقول الشيخ أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية: «تهيئة المرأة للزوج بيت مستقر هو دعم معنوي ولا يتم تقديم مال عليه أو تطبيق حق الكد والسعاية».
وتسبق المغرب المنطقة العربية؛ فهناك عدد من القضايا حكم فيها القضاء المغربي للزوجة بناء على حق الكد والسعاية بنصف مال زوجها سواء بعد وفاته أو بعد الطلاق؛ إذ تسمح المادة 49 من قوانين الأحوال الشخصية في المغرب للزوجين بتوقيع اتفاقية تنظم ما سيجمعوه من أموال خلال فترة الزواج وتقسيمه بعد الانفصال أو بعد وفاة أحدهما.
كذلك أقرت تونس هذا الحق في القانون الصادر عام 1998 نظامًا للاشتراك في الملكية بين الزوجين لتكريس التعاون بين الزوجين في تصريف شؤون العائلة؛ إذ منح القانون التونسي للزوجين الحرية التامة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان في الخضوع له، واعتبر الزواج المبرم على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية، بمنزلة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك
ويحمي هذا القانون حقوق الزوجة التي التحقت بسوق العمل وشاركت الزوج في تحمل الأعباء المالية للأسرة، وأصبحت تساهم من مالها الخاص في شراء المسكن العائلي.