"مصر الرقمية".. مشروع الدولة الاستراتيجي للتحول إلى دولة متقدمة
عبد الرحمن المصري
تواكب مصر مؤخرًا ركب الدول المتقدمة في العديد من المجالات، خارجة عن قيود فرضت عليها من الخارج لعقود طويلة، ومحطمة روتينًا قاتلًا هوى بها في أسفل التصنيفات العالمية في العديد من المجالات.. فمنذ ما يزيد على 6 أعوام، بدأت معالم النهوض تعم الأسواق المختلفة، ونظرًا لوعي القيادة السياسية ومعاونيها من أعضاء الحكومة، خرج المشروع الاستراتيجي "مصر الرقمية" أو "الرقمنة" للمعاملات الحكومية، مرورًا بالمصرفية، والمالية، حتى بدأ تعميم مظاهر الرقمنة على المعاملات التجارية اليومية بين التجار والمستهلكين.
وعلى غرار "وعي" الدول المتقدمة، استغلت الدولة المصرية أزمة انتشار فيروس كورونا حول العالم، في ظل فرض الإجراءات الاحترازية، والتباعد الاجتماعي، في تعميم رقمنة المعاملات اليومية على المستوى الحكومي والقطاع الخاص، ولذلك الإجراء الواعي العديد من المزايا أهمها، الإنجاز السريع للمعاملات، والحد من التزاحم على المصالح الحكومية والمصرفية، ومؤسسات القطاع الخاص، والمنافذ التجارية والاستهلاكية، فضلًا عن الحد من التكدسات المرورية التي تعاني منها شوارع عواصم المحافظات وعلى رأسها العاصمة القاهرة، إضافة إلى الحد من استخدام الأوراق النقدية في المعاملات التجارية، والاكتفاء بالبطاقات التلامسية وتطبيقات الهواتف المحمول مثل "موبايل بنكي" وغيرها.
الجديد أن القطاع الخاص، طبق الرقمنة على أساليب أساسية في المراحل البيعية، كالتسويق والبيع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استفاد القطاع العقاري، من أسلوب الرقمنة في ظل فيروس كورونا، والذي حد من حركات البيع والشراء لـ6 أشهر، هي فترة انتشار فيروس كورونا حول العالم، والإغلاق العالمي المصاحب له، ليوظف أساليب الرقمنة المختلفة في عملياته، فقد استغل وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق لمنتجاته العقارية، فضلًا عن استخدامه وسائل الديجيتال مثل زوم، في إتمام المفاوضات البيعية ومن ثم إنهاء التعاقدات على الوحدات "أون لاين".
الرئيس عبد الفتاح السيسي، كان واعيًا ومواكبًا للحدث، فأصدر قبل فترة قصيرة قراره بالبدء الفوري في تنفيذ مبادرة مصر الرقمية، لدعم جهود التحول الرقمي للأداء الحكومي، وتعظيم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى مشروعات التخطيط العمرانى والبناء، في إطار المشروعات القومية للدولة، الخاصة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وقد أطلقت الحكومة بدورها، بوابة الخدمات الحكومية، التي ما زالت تحت قيد التجربة، وهي عبارة عن منصة تقدم الخدمات الحكومية الرقمية بشكل ميّسر وشخصى وحديث، وذلك عبر التحول الرقمى للبنية المعلوماتية في مصر، كما تحول تلك البوابة تلك الخدمات إلى خدمات رقمية سريعة التعامل وذات كفاءة عالية لتسهيل الحصول على خدمات الحكومة بمختلف أنواعها.
تم إعداد تلك المنصة بعد سنوات من الإعداد الصارم والدقيق للبنية المعلوماتية والعمل الدءوب الذي يسير على نهج مستوى الخدمات الالكترونية المقدمة في أكثر دول العالم تقدمًا، عن طريق التحول الرقمي.
وتعبتبر تلك البوابة نتاج تضافر جهود عدة جهات مصرية وشركات دولية تعمل فى صالح المواطن والدولة، وتسعى لتجميع طرق تقديم الخدمات الرقمية تحت تطبيق موحد للعمل على خدمة المواطن بسهولة ويُسر، وكل مجموعة مترابطة من الخدمات تسمى بحزمة خدمات، مثل حزمة خدمات نيابة الأسرة، ويتم تحديث الحزم والخدمات تباعاً حتى تغطى كافة الخدمات الحكومية فى كل محافظات مصر بحلول انتهاء المشروع.
ومواكبة للتقدم، وفرت المنصة تطبيقات على أجهزة الموبايل التي تندرج تحت "أندرويد" باسم "الخدمات الرقمية"، وتعمل حاليًا على توفيرها لـ آيفون، وسوف يكون تسجيل الدخول إليها عبر استخدام الرقم القومي ورقم الهاتف المحمول المسجل باسم الشخص نفسه.
كما أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قبل أيام، مبادرة "بُناة مصر الرقمية"، وفتحت باب التسجيل فيها، حيث تستهدف منح درجة الماجستير المهني لخريجي كلية الهندسة أقسام اتصالات وإلكترونيات وحاسبات وهندسة طبية، وكلية الحاسبات والمعلومات، وكلية العلوم قسم رياضة شعبة حاسب آلي، دفعات 2016 وحتى 2020، وتندرج تلك المبادرة تحت محور " بناء الإنسان المصري" وهو أحد المحاور الرئيسية في استراتيجية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لبناء مصر الرقمية، حيث تسعى تلك المبادرة إلى تمكين الجيل القادم من الشباب المصري خريجي كليات الهندسة والحاسبات والمعلومات ليصبحوا قادة على مستوى عالمي قادرين على تنفيذ الرؤية الرقمية لمصر.
وسوف توفر المبادرة التي أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منحة مجانية مقدمة لألف طالب متفوق سنويًا، من خريجي كليات الهندسة، أقسام حاسبات أو الكترونيات أو اتصالات أو طبية أو كليات حاسبات ومعلومات أو كليات علوم رياضة قسم حاسب آلي، والذين سيتم اختيارهم طبقا لشروط ومعايير قبول محددة ليبدأ إعدادهم بصفتهم كوادر شابة في عدة مجالات، منها علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وعلم الروبوتات والأتمتة، والفنون الرقمية.
البنك المركزي، بدوره كان له دور حيوي في تحويل مصر لدولة رقمية، عبر قانون البنوك الجديد رقم 194 لسنة 2020، الذي أصدره مؤخرًا وأقره ووافق عليه الرئيس والبرلمان المصري، حيث قنن "مقرر السياسة النقدية" رقمنة المعاملات المصرفية والنقدية، في إطار مواده، حيث يساير ما يشهده العالم خلال السنوات الماضية من متغيرات اقتصادية، وتحولات نحو تقنية رقمنة المعاملات البنكية، ومتطلبات تحقيق الشمول المالى، وآليات الحوكمة ليدعم مسيرة التطور المصرفى، والسياسة النقدية خلال الفترة القادمة، حيث يساهم القانون فى مواكبة كافة التطورات المتعلقة بالممارسات المصرفية العالمية والأعراف الدولية.
على الفور استجابت البنوك المحلية العاملة في السوق المصرفية، العامة منها والخاصة، لاتجاه البنك المركزي، وراحت تصدر كل منها على حدة، قراراتها وإجراءاتها المساهمة في تقديم الخدمات المصرفية رقميًا، فمنها من أعدت بطاقات تلامسية تخص إتمام المعاملات التجارية دون نقود ورقية ودون اضطرار لاستلام "الكاشير" للبطاقات، ومنها من أطلقت تطبيقات على الهواتف المحمولة، تدعم إنهاء الإجراءات والمعاملات البنكية بسهولة ويسر، إلى جانب ماكينات نقاط البيع POS للعملاء حاملي البطاقات البنكية.
الرقمنة اقتحمت مجال التعليم، خلال العام الدراسي السابق، في ظل انتشار فيروس كورونا، حيث أتم طلاب المدارس والجامعات دراستهم عبر وسائل الديجيتال، مثل "زوم"، والذي يضمن التواصل بين المعلمين وطلابهم لشرح المناهج التعليمية المقررة عليهم، وقد مر العام الدراسي بيسر على أغلب الطلاب، وامتدت العملية التعليمية بأسلوبها الجديد للعام الدراسي الجاري، ولا يخفى على أحد أهمية تلك الطريقة في الحد من الدروس الخصوصية والتجمعات الضخمة في الفصول الدراسية والكليات الأكثر شيوعًا.
وزارة المالية سارت هي الأخرى على الخط، فراحت تجني حق الدولة في المعاملات الضريبية، حيث أطلقت نظام "الفاتورة الالكترونية" التي انطلقت مرحلتها الأولى يوم الأحد الماضي، وذلك ضمن المشروع القومي لتحديث وميكنة منظومة الإدارة الضريبية، حيث يسهم ذلك النظام في إرساء دعائم التكامل بين المنظومة الضريبية، والمجتمع التجاري، على النحو الذى يُساعد فى التيسير على المتعاملين، وتحقيق العدالة الضريبية، وتحسين مناخ الاستثمار.
الوزارات الخدمية دعمت تلك المنظومة كذلك، مثل وزارة الكهرباء، التي كانت قد تبنت نظام "العدادات الكودية" قبل نحو 3 أعوام، توفيرًا للوقت والجهد ومنعًا لإهدار الموارد والأموال، فعززت تلك الفكرة بإطلاقها منصة التقديم على العدادات مسبقة الدفع، للمباني المخالفة والجديدة، وشملت المنصة العديد من الخدمات الأخرى "الرقمية" مثل التقديم، وتسجيل القراءات، والسداد الالكتروني، وغيرها من الخدمات المختلفة، التي تحد من التزاحم على فروع الشركات المختلفة، وهو ما يوفر جهدًا وأموالًا ويقضي على روتين ظل لعقود طويلة "قاتلًا".
وعلى الدرب سارت وزارة الإسكان والمرافق، حيث أصدر الوزير عاصم الجزار، توجيهه لممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، لتعميم عدادات المياه مسبقة الدفع بجميع الجهات الحكومية، ووضع خطة لاستبدال عدادات المياه القديمة لدى المواطنين بالعدادات الكودية الجديدة، والتي تقضى على أى أخطاء تنتج عن العنصر البشرى مثل تأخر مرور القارئ، وعلى عيوب قراءة العدادات، وتتيح للمواطن التحكم في الاستهلاك الخاص به، ومتابعة استهلاكه، ومعرفة عدد أمتار المياه المكعبة التي تم استهلاكها، وقيمة المبلغ المتبقى من الشحن، وقد تم التعاقد حتى الآن على توريد 500 ألف عداد مُسبق الدفع قطر ¾ بوصة للشركات التابعة، وتم تركيب 260 ألف عداد لجميع فئات العملاء.
وزارة البترول كذلك أعلنت مؤخرًا عن بداية العمل على إحلال عدادات الغاز مسبقة الدفع بدلًا عن العدادات القديمة، والتي بدأت في تطبيقها بتركيب أكثر من 20 ألف عداد غاز مسبوق الدفع في المناطق السكنية الجديدة، مثل مشروع بشاير والأسمرات، كما أعلنت الوزارة أن ذلك النظام الجديد سوف يطبق في المناطق السكنية الجديدة مثل مشروعات الإسكان الاجتماعي ومشروعات الدولة السكنية.