منذ عشرين سنة صاغ مسؤول كبير في بنك غولدمان ساكس مصطلح بريكس BRICs للإشارة إلى أربعة بلدان ناشئة كبيرة هي البر

الصين,الصفقة,الهند,روسيا,بنك غولدمان ساكس,مصر,تدهور جنوب أفريقيا,البرازيل

عاجل
رئيس التحرير
إيمان عريف
رئيس التحرير
إيمان عريف

عصر جديد من الغضب والثورة في انتظار الهند والبرازيل

منذ عشرين سنة، صاغ مسؤول كبير في بنك "غولدمان ساكس" مصطلح "بريكس" –BRICs– للإشارة إلى أربعة بلدان ناشئة كبيرة، هي البرازيل وروسيا، والهند والصين. وقد عزز ودعم النمو الاقتصادي السريع، وزيادة أعداد الأثرياء في هذه البلدان عقيدة المستثمرين. وبدأ قادتها في عقد لقاءات قمة سنوية، كما أسسوا بنك تنمية يخص التجمُّع. وفي 2011، دعا هؤلاء القادة دولة جنوب أفريقيا لعضوية التكتل، ليستكملوا بسلاسة معنى تسميته المختصرة اللافتة.



غير أنَّ الأفكار الخيالية التي صاغها مشجِّعو العولمة في الغرب أصبحت مهجورة منذ فترة قبل أن تغيّر الجائحة حقائق العالم بشكل درامي خلال العام الماضي. فعلى سبيل المثال، خرجت الصين منذ فترة طويلة من وضعية "الناشئة". ولم تكن روسيا أبداً منتمية إلى هذه المجموعة، باقتصادها الذي يتسم بالانعزالية، ويعتمد اعتماداً كثيفاً على المنتجات النفطية.

واليوم، يبدو أنَّ الاحتفاء الأرعن بسرعة النمو، وتكوين الثروات ينتميان إلى عهد ساذج ومغرور. ففي الوقت نفسه، تزداد الدلائل على أنَّ حالة عدم المساواة خلال فترة ما بعد الجائحة ستكون مدمِّرة للنظام الاجتماعي اليومي في الاقتصادات الناشئة، ناهيك عن الديمقراطية.

أصبح ذلك واضحاً تماماً للعيان خلال الشهر الماضي مع تدهور جنوب أفريقيا في أسوأ موجة من العنف منذ نهاية نظام الفصل العنصري -الأبارتايد. ووفقاً لبعض المعايير، تعتبر جنوب أفريقيا أكثر بلدان العالم معاناة من انعدام المساواة.

ثارت ثائرة اللصوص، والمخرّبين، ومشعلي الحرائق في مختلف أنحاء البلاد، فدمَّروا مراكز التسوق، ومخازن المنتجات الصناعية، وأحرقوا شاحنات. قُتل مئات الأشخاص، وبلغت خسائر الممتلكات والأعمال مئات الملايين من الدولارات. كما سيستغرق التعافي من هذه الأزمة عدة سنوات.

الدافع المباشر الذي أشعل التمرّد هو الحكم على الرئيس السابق جاكوب زوما بالسجن 15 شهراً لرفضه التعاون في تحقيق في قضايا فساد وقعت خلال فترة حكمه التي امتدَّت 9 سنوات. ولعبت الجائحة دورها، فقد أودت بحياة أكثر من 70 ألف مواطن في جنوب أفريقيا، وأغرقت أعداداً أكبر في فقر شديد. لكنَّ الغضب كان يتراكم في البلاد منذ فترة طويلة، إذ سجل معدل البطالة رقماً قياسياً بلغ 33%، كما يعاني عدد كبير من المواطنين من نقص في الغذاء، والطاقة، ومياه الشرب، والوظائف.

عدم المساواة في الهند

هذه العوامل نفسها ستلعب دوراً محورياً عندما –ولا نقول "إذا"– تقع انهيارات شبيهة وواسعة النطاق في الهند والبرازيل.

الأسباب الأساسية حاضرة في كلا البلدين منذ سنوات عديدة؛ منها الانقسامات الاجتماعية الحادة من انقسام عنصري، وديني، وطبقي، وفئوي، والفجوات الهائلة بين المدن والريف، وطبقة حاكمة شريرة وعديمة الكفاءة إنْ لم تكن فاسدة. وهي أسباب أصبحت أكثر حدَّة وسمّيَّة خلال الأشهر الأخيرة.

أصبح انعدام المساواة أكثر تركيزاً في الهند، وهي موطن اثنين من أغنى ثلاثة من أباطرة المال في آسيا، هما موكيش أمباني (الذي تقدَّر ثروته حالياً بنحو 78 مليار دولار أمريكي)، وغوتام أداني (53 مليار دولار). في الوقت نفسه، شهدت البلاد تدهور دخول أكثر من 200 مليون مواطن إلى أقل من 5 دولارات يومياً، ربما في أكبر انهيار تعانيه الطبقة الوسطى التي تعدُّ بمثابة القلب في أيِّ اقتصاد استهلاكي حديث.

 

إنَّ ما يقرب من ثلث الذين يعانون من سوء التغذية في العالم يعيشون في الهند فعلاً. وبدعمها للأثرياء عن طريق خفض الضرائب على الشركات؛ فإنَّ حكومة الهند ذات التوجه الهندوسي القومي تعاني حالياً زيادة في أعداد الجوعى، حتى في المناطق الحضرية، وفي وسط الهنود الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى.

تقويض الحوكمة في البرازيل

في البرازيل، حيث فقد نصف مليون إنسان حياتهم بسبب الجائحة، استطاع الأغنياء زيادة نصيبهم من الثروة القومية بنسبة 2.7% خلال العام الماضي؛ وأصبحوا الآن يمتلكون نصف ثروة البلاد تقريباً. في الوقت نفسه، فقد أفقر 40% من البرازيليين 20% من دخولهم، في حين تراجع متوسط دخل الفرد إلى أقل مستوى له في عشرة أعوام.

وكما في الهند، فقد صاحبت عملية الإفقار واسعة النطاق الهجومَ على المؤسسات الديمقراطية. عمد رئيس البرازيل جير بولسونارو إلى تقويض الحوكمة بإصدار سلسلة من المراسيم المتعسفة، وعمَّق أثر كابوس كوفيد على البلاد بسبب إنكاره خطر الفيروس وهجومه على اللقاحات. وفي شهر مارس، عزل وزير الدفاع، وكان واضحاً أنَّ ذلك بسبب مقاومته جهود الرئيس لدفع الجيش إلى دعمه سياسياً.

منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت)، وانتخاب دونالد ترمب رئيساً في 2016، يتركَّز الاهتمام الكبير على النتائج السياسية المدمِّرة للانعدام المنفلت للمساواة في معظم اقتصادات العالم المتقدِّم؛ مثل الاستقطاب الدائم والمفعم بالحقد والضغينة، وانهيار الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وانتعاش نظريات المؤامرة، وتكريس الديماغوغية.

عملية التحلل الاجتماعي والسياسي هذه كانت دائماً أكثر تقدُّماً في الاقتصادات الناشئة، وإن كانت غالباً غير ملحوظة. علاوةً على أنَّها تبدو بلا علاج، وقد سرَّعت الجائحة الآن من وتيرتها. وما حدث في جنوب أفريقيا مجرَّد إشارة إلى ما قد يحدث مستقبلاً في دول كانت ذات يوم نجوماً للعولمة.