عادل اليماني
الإعلام وماسبيرو والقنوات الإقليمية
الإعلامُ حرفٌ في كلمة، وليس نقطةً في آخر السطر، هو السبيلُ الأسرع إلى إثراءِ الوجدان والعقول، والوصولِ إلي الخبرِ والمعلومة، لاتخاذِ القرارِ الأصوب، في الوقتِ الأنسب ..
به يقتربُ البعيد، ويتحولُ العالم الواسعُ، إلي قريةٍ صغيرة، تكادُ تعرفُ كلَ تفصيلةٍ فيها.
أدرك السابقون أهميته وقدرته اللا محدودة على التأثير والتغيير، فوضعوا له خططَهم، فهذا وزير إعلام هتلر، جوزيف جوبلز، يقول: «اعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطِك شعباً بلا وعي».
وخيرُ الإعلامِ وأنفعُه، ما كان نابعاً من لسانِ صدقٍ، والإعلامُ الصادقُ، هوالباحثُ دوماً عن الحقيقة، بل إنه والحقيقة وجهان لعملة واحدة.
ولقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا، صنوفاً متعددة من الإعلام:
− إعلامًا يعرض جزءاً من الحقيقة.
− وإعلامًا يخشي عرضَ الحقيقة.
− وإعلامًا يحارب الحقيقة.
ودائماً القلوبُ كالقدور، تغلي بما فيها، وألسنتُها مغارفُها.
إن الكلمةَ أمانة، الكلمةَ شرف، الكلمةَ مسئولية..
وإن للإعلامِ رسالةً أسمي، خلاصتُها غرسُ القيم، واستنهاضُ الهمم..
وفي آداب الإعلام، ليس كلُ ما يُعرف يقال، وليس كلُ ما يُقال صادفَ أهلَه، وليسَ كلُ ما صادفَ أهلَه حانَ وقتُه..
إن فضلَ إعلامِ الدولة، على الإعلام الخاص، كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائر الكواكب.
ولايختلف إثنان أننا، ومنذُ سنواتٍ، نعيشُ حالةً من الفوضي الإعلامية، وقد حذرنا كثيراً من خطورة هذا المشهد، وتأثيراته السلبية على الفرد والجماعة في مصر، كما حذرنا من هذهِ الحربِ الظالمةِ، التي لا تتوقفُ على إعلامِ الدولة، إعلامِ الوطن، إعلامِ الخدمةِ العامة، إعلام ماسبيرو، مع حديثٍ لا يتوقفُ عن ماسبيرو، عمال ماسبيرو، موظفي ماسبيرو، برامج ماسبيرو، وكأن ماسبيرو هو مشكلة مصر الوحيدة، التي يجب حلُها فوراً، بالقضاء عليه نهائياً.
يا سادة إن ماسبيرو هذا، الذي تتندرون عليه، هو الأصل والأساس، وما الإعلامُ الخاصُ كلُه، إلا صنيعةَ ماسبيرو..
هل رأيتم، أو سمعتم يوماً، سباً وقذفاً، وتجاوزاً لكلِ الآداب، يخرجُ من ماسبيرو؟ هل سمعتم يوماً ملاسناتٍ ومشاحناتٍ، مصدرُها ماسبيرو؟
أنسيتم ماسبيرو؟ يامن كنتم تتمنون الوقوفَ أمامَه، والحديثَ في استديوهاته.
أنسيتم ماسبيرو؟ ضميرَ الأمةِ الصادق، الذي لم تلوثْه أطماعٌ شخصية، أو متاجراتٌ دنيوية.
أنسيتم ماسبيرو؟ ناقلَ الحقيقةِ المُجردة عن الغرض، المنزهة عن الهوى.
ثم يأتي علينا خبرٌ كالصاعقة، ماذا حدث:
إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية، بدايةً من القناة الثالثة وحتى القناة الثامنة، والاكتفاء بالبث الأرضي، مع تأكيدات عجيبة من متخذي هذا القرار، أن فكرة الاكتفاء بالبث الأرضي، تستهدف التطوير، وترفع شعار لا ضرر ولا ضرار، فلا مساس بالعاملين بهذا القطاع، وأن المخصصات المالية التي ستتوفر، وقدرُها مليون و400 ألف دولار سنويا، سيتم استخدامها في التطوير..
ما هذا؟ ماذا يحدث؟ ولمصلحة من؟
كيف نقضي بأيدينا علي جزءٍ مهم من إعلام الشعب ( الإعلام الإقليمي ) والكل يعلم أنه الأقرب للحدث، والأكثر تفاعلاً مع الجماهير، وهكذا أثبتت التجربة، ومحدثكم واحدٌ من أبناء هذا الإعلام ، تعددت تجاربُه الإعلامية، حتي وصل لرئاسة واحدة من أهم الفضائيات، فتكونت عندي قناعات، لا تقبلُ الشك ولا التأويل ، ومن واقع تجارب حقيقية، أن مهارات العاملين بالإعلام الإقليمي، تتخطي كثيراً مهارات غيرهم في الإعلام الخاص، فهم الأكثر دراية بفكرة بحاجات المجتمع الحقيقية، والأكثر قدرة علي التعبير عن آمال الناس وآلامهم، ولا يحملون أجندات خاصة، ولا توجهات مريبة، وليسوا أبواقًا لغيرهم، وإنما أصوات حرة، تستهدفُ خيرَ هذا الوطن..
إن ما يحدث جريمة مكتملة الأركان، فهذه القنوات الإقليمية لها أبعادُها الأمنية والاستراتيجية المهمة، وتقوم بتغطية محافظات حدودية، وهي خط الدفاع الإعلامي الأول..
وليس من الإنصاف، ولا العدل، ولا حتي الكياسة، أن نقوم بتغليب الإنفاق علي المضمون، ثم ندعي أنه من أجل التطوير، تطوير لم يحدث ونحن في الفضاء، فهل سيحدث ونحنُ علي الأرض؟
هو وعد بلفور إعلامي جديد، يقترحُه من لا يملك، ولمصلحةِ من لا يستحق..
راجعوا أنفسكم، فالكلمة أمانة والقرار مسئولية، أمام الله وأمام الناس.