التدخين: تحديات مستمرة وحلول مبتكرة لمستقبل خالي من الدخان
رغم الجهود العالمية المكثفة لمكافحة التدخين منذ خمسينيات القرن الماضي، لا تزال السجائر التقليدية متاحة ويستهلكها أكثر من مليار شخص حول العالم. هذا يجعلها من أكبر التحديات الصحية التي تواجه العالم، حيث تسبب استهلاك التبغ بالطرق التقليدية إلى وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، فإن الانخفاض في عدد المدخنين كان محدودًا للغاية، حيث تقلص من 1.36 مليار مدخن في عام 2000 إلى 1.25 مليار فقط في عام 2022. يثير هذا التباطؤ أسئلة ملحة حول أسباب ضعف النتائج رغم عقود من الجهود العالمية، مما يبرز الحاجة إلى التفكير في استراتيجيات جديدة ومبتكرة. وبينما يُعتبر النيكوتين مسببًا للإدمان، فإن الدخان الناتج عن الاحتراق هو السبب الرئيسي للمخاطر الصحية ومنها زيادة انتشار أمراض السرطان والقلب والأوعية الدموية وغيرها، لذلك، فإن اعتماد بدائل مبتكرة يُمثل خطوة جوهرية نحو تعزيز صحة الأفراد والمجتمعات. يرجع جزء من هذا الإخفاق إلى التعامل مع التدخين كاضطراب طبي يُعرف بـ"اضطراب تعاطي التبغ"، مما يدفع المدخنين للبحث عن مساعدة طبية للإقلاع. على الرغم من أن هذا النهج يناسب بعض الحالات، إلا أن العديد من المدخنين لا يرغبون في تصنيفهم كمرضى، مما يثنيهم عن البحث عن الدعم. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد برامج الإقلاع عن التدخين على وسائل تقليدية غالبًا ما تكون فعاليتها محدودة. على سبيل المثال، يُظهر الإقلاع دون مساعدة طبية نجاحًا لدى 6% فقط من المدخنين. حتى باستخدام أدوية مثل "فارينيكلين" أو "سيتيسين"، ترتفع نسبة النجاح إلى ما بين 12 و18% مع احتمال حدوث آثار جانبية. أما بدائل النيكوتين مثل أكياس النيكوتين و التبغ الممضوغ، فلا تتجاوز نسبة نجاحها 8-9% عند استخدام نوع واحد منها. في المقابل، ظهرت السجائر الإلكترونية كخيار مبتكر، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أنها أكثر فعالية من بدائل النيكوتين. وفقًا لتقرير مؤسسة كوكرين البحثية لعام 2023، فإن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين تضاعف من احتمالية النجاح في الإقلاع عن التدخين، حيث تتراوح نسبة النجاح باستخدامها بين 10 و19%. إضافة إلى ذلك، تقدم السجائر الإلكترونية تجربة مشابهة للتدخين التقليدي، مما يجعل الانتقال إليها أكثر سهولة. وقد أدى انتشارها في المملكة المتحدة إلى تحول نحو 2.7 مليون مدخن إلى استخدامها بحلول عام 2023، بفضل توفرها الواسع وسهولة الوصول إليها، حيث ساهمت السجائر الإلكترونية في المملكة المتحدة في تقليل الاعتماد على التدخين التقليدي بشكل ملحوظ. هذه النتائج تبرز أهمية تبني سياسات أكثر مرونة تستند إلى الأدلة العلمية وتدعم الابتكار في تقديم البدائل المبتكرة الخالية من الدخان. إلى جانب السجائر الإلكترونية، ظهرت بدائل مبتكرة أخرى خالية من الدخان تلبي احتياجات المدخنين البالغين بشكل يساهم في الحد من المخاطر، مثل منتجات التبغ المسخن التي تعتبر أقل خطورة بنحو 10 مرات من السجائر التقليدية. كما توفر أكياس النيكوتين والتبغ الممضوغ خيارات خالية من الدخان، مما يقلل المخاطر الصحية بنسبة تصل إلى 100 مرة مقارنة بالتدخين التقليدي. ورغم ذلك، تواجه هذه البدائل معارضة من بعض الجهات الطبية ومنظمات مكافحة التبغ، التي تستند في كثير من الأحيان إلى أسباب أخلاقية أو تنافسية. على سبيل المثال، تمنع قوانين كندا الإشارة إلى أن السجائر الإلكترونية أقل خطورة من السجائر التقليدية، مما يحد من وعي المستهلكين ويؤخر تحولهم إلى خيارات أقل خطورة. لتقليل الأعباء الصحية الناجمة عن التدخين التقليدي، يتطلب الأمر إعادة التفكير في كيفية التعامل مع التدخين والمدخنين البالغين. بدلاً من تصنيف المدخنين كمرضى يحتاجون إلى علاج، يمكن اعتبارهم مستهلكين واعين يمكنهم اتخاذ قرارات مستنيرة. من خلال توفير المعلومات الدقيقة حول إيجابيات وسلبيات كل منتج، يمكن تمكين المدخنين البالغين من اختيار الحلول التي تناسب احتياجاتهم مع تقليل المخاطر. فعلى سبيل المثال، إذا كان الدافع الأساسي للتدخين هو العادة اليومية، فإن السجائر الإلكترونية أو منتجات التبغ المسخن قد تكون البديل الأقل خطورة. أما إذا كان الهدف هو تلبية الحاجة للنيكوتين، فإن أكياس النيكوتين تقدم حلاً فعالًا وأقل خطورة.